حوار: عبد الجليل بوزوكار يحفر في تاريخ الإنسان العاقل بالمغرب

الباحث عبد الجليل بوزوكار

في 19/08/2025 على الساعة 15:10

حوارأصدر الباحث الأركيولوجي ومدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث عبد الجليل بوزوكار كتابه الجديد بعنوان: «الإنسان العاقل: الرحلة المغربية»، ضمن المنشورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالدارالبيضاء وبتقديم من وزير الشباب والثقافة والتواصل محمّد مهدي بنسعيد.

عن ظروف كتابة وإصدار كتاب حول الإنسان العاقل وخصائصه ومميزاته، وصولاً إلى واقع البحث الأثري بالمغرب، كان لنا هذا الحوار مع الباحث الأركيولوجي عبد الجليل بوزوكار:

ـ بداية، ما الذي تقوله لنا عن مضاميم كتابك الجديد «الإنسان العاقل: الرحلة المغربية»؟

هذا الكتاب موجه بالأساس إلى الجمهور الواسع وقد نضعه ضمن صنف المقالة او Essai حيث يتعلق بموضوع واحد وهو فترة ما قبل التاريخ بالمغرب وبلغة مبسطة ولكن تحترم ذكاء القارئ. من حيث الشكل هو ضمن صنف « كتاب الجيب » من 197 صفحة. ومن حيث المضمون فهو يتعلق بفترة ما قبل التاريخ بالمغرب بناء على المعطيات الأركيولوجية المحينة. يتكون الكتاب من ثمانية فصول تتعلق بتقديم فترة ما قبل التاريخ وبعد ذلك المحطات الكبرى، انطلاقا من أولى النشاطات البشرية حوالي مليون وثلاثمائة ألف سنة وصولا إلى الإنسان العاقل وانجازاته في هذه الأرض.

هذا الكتاب هو محاولة للمساهمة في تقريب المعرفة الأركيولوجية من الجمهور الواسع خاصة مع توالي الاكتشافات الأثرية ووقعها على تاريخ المغرب وجزء من تاريخ الإنسانية. دعم وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد مهدي بنسعيد فكرة وإنجاز هذا الكتاب وشرفني بتقديمه. بكل صدق وامانة انبثقت الفكرة خلال مناسبتين، الأولى عندما طلب مني يوما وزير الشباب والثقافة والتواصل ان امده بمؤلف موجه للعموم حول فترة ما قبل التاريخ بالمغرب ولم يكن لدي ما اقترحه اللهم المؤلفات الأكاديمية.

والمناسبة الثانية عندما أراني الوزير كتابا للجيب حول سجلماسة من طرف كاتب أجنبي معيدا سؤاله حول كتاب من نفس النوع حول فترة ما قبل التاريخ بالمغرب. بالإضافة لكل هذا كنت قد قرأت كتاب « العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري » لكاتبه يوفال نوح هراري ولاحظت غياب المعطيات المهمة حول شمال افريقيا، لأنها لم تكن متوفرة أثناء تأليفه للكتاب او هو فضل التركيز على مناطق جغرافية معينة.

قمت في السابق بمحاولات لتقريب المعلومة من الجمهور الواسع ضمن مؤلفات جماعية تهتم بمواضيع لا تقتصر فقط على فترة ما قبل التاريخ وربما لم تجد الصدى المطلوب اظن اننا بحاجة لكتب مثل هذه على أن تهم كل الفترات التاريخية.

ـ ما الأساس العلمي الذي استندت عليه في صياغة سرديتك التاريخية حول الإنسان العاقل؟

الكتاب عبارة عن حكي لتاريخ الإنسان العاقل بالمغرب وانجازاته خلال فترة ما قبل التاريخ وهذه الاخيرة تؤرخ ما بين مليون وثلاثمائة ألف عام والقرن الثامن قبل الميلاد. بل تم الحديث عن فترة أقدم بكثير من هذا التاريخ. تم الاعتماد على اسلوب أدبي متحرر من صرامة الكتابة الأكاديمية ولكن تم الاعتماد على المعطيات الأركيولوجية القديمة والمحينة والمعطيات التي ساعدت في تصور شكل المجالات الجغرافية من خلال تضاريسها او الغطاء النباتي او المناخ.

ـ ما الصفات والخصائص التي تُميّز هذا الإنسان عن باقي الأنواع البشرية الأخرى؟

الإنسان ابن بيئته ونقط الالتقاء او الاختلاف بين الإنسان العاقل والذين سبقوه قد يكمن في ابتكارات طرحتها اكراهات المجال او المناخ. الإنسان العاقل استفاد من تراكم بلغ آلاف السنين وبسط سيطرته على العالم فيما بعد انطلاقا من 300 ألف سنة.

في اعتقادي ما يميزه عن من سبقوه لا يكمن في الجانب البيولوجي بل في الجانب الثقافي مثل استعمال الرموز واللغة بشكل واسع والفهم الكبير لموارد المجال والتنظيم الاجتماعي الذي كان له الدور الحاسم.

ـ باعتبارك مديراً للمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، إلى أي حد ساهمت الحفريات الأركيولوجية الأخيرة في إغناء حصيلة البحث الأثري بالمغرب؟

إن البدايات الأولى للبحث الأثري بالمغرب كانت خلال اواخر القرن التاسع عشر وتسارعت وتيرتها خلال القرن العشرين إبان فترة الحماية حيث تمت مأسستها. وعند التحرر من الحماية ارتفعت الوتيرة أكثر وخاصة بعد إنشاء المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث سنة 1985 كما انخرطت جامعات مغربية في هذا الميدان. ترون إذن إن هناك تراكم وبكل صدق فإن سرعة نشر المعلومة والأخبار وخاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أفادت كثيرا الاكتشافات التي تمت في بداية القرن الواحد والعشرين.

لكن هذا لا ينبغي أن ينسينا اكتشافات كبيرة همت مواقع مهمة جدا مثل تلك بالدار البيضاء وهي الأقدم في المغرب وما تم اكتشافه بها في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي أو ما أسفرت عنه حفريات موقع الدشر الجديد خلال الثمانينات بالقرب من مدينة أصيلة وتدقيق الاسم القديم للموقع هو انجاز كبير أو ما تم الكشف عنه بموقع بليونش في فترة السبعينات والثمانينات بالقرب من مدينة سبتة والذي يعود للعصر الوسيط.

وتوالت الاكتشافات خلال القرن الواحد والعشرين مثل أقدم موقع أثري بالمغرب مؤرخ بمليون وثلاثمائة ألف سنة بالدار البيضاء او أقدم إنسان عاقل بموقع جبل ايغود والمؤرخ بأكثر من ثلاثمائة ألف سنة أو أقدم أدوات رمزية على شكل حلي بمغارة بيزمون بالصويرة والمؤرخة بحوالي 150 ألف سنة او أقدم أدوات عظمية لصناعة الملابس بمغارة المهربين بتمارة والمؤرخة ب 120 ألف سنة أو أقدم استعمال طبي للأعشاب والمؤرخ ب 15 ألف سنة بمغارة الحمام بتافوغالت أو أكبر مجمع زراعي بافريقيا خارج منطقة النيل بواد بهت والمؤرخ ما بين 3400 و 2900 سنة قبل الميلاد.

ولا ننسى الاكتشافات الجديدة بموقع شالة-عين اجنة حيث وجد أكبر حمام وأوّل حي مينائي بموقع يعود للفترة العتيقة ومؤرخ بالقرن الثاني بعد الميلاد أو اكتشاف مركب صناعي مخصص لصلصة الكاروم بموقع ليكسوس، وهو الأكبر بحوض البحر الأبيض المتوسط واكتشاف مهد انطلاق الدولة الموحدية بايكيليز وأقدم مسجد مؤرخ بسجلماسة يعود للقرن الثامن وحمام اغمات المرابطي، وهو من بين أقدم الحمامات في المغرب.

هذه أمثلة فقط ولا يتسع المجال لذكر كل الاكتشافات السابقة منها والحديثة تساهم في كتابة تاريخ المغرب وتحيين بعض المعطيات. هي بالفعل تغني حصيلة البحث الأثري بالمغرب وتضع على عاتقنا مسؤولية كبيرة تهم التعريف والتعرف من خلال النشر العلمي بالمواصفات الأكاديمية ونفسه موجه للعموم على شاكلة تبسيط العلوم مع الابتعاد عن التوظيف الإيديولوجي للنتائج، والمساهمة في كتابة التاريخ وتحيين او تصحيح بعض جوانبه في تعاون ما بين علوم الآثار والتاريخ.

هي حصيلة مشرفة جدا ومع الدعم الكبير لعلوم الآثار والتراث من طرف القطاع الوصي في شخص وزارة الشباب والثقافة والتواصل، فقد دخلنا في جيل جديد من الأبحاث قوامه الاستفادة من تراكم الجيل الأول من الباحثين والاعتماد بشكل كبير ومتسارع على الكفاءات المغربية الشابة والاستعمال الممنهج للتكنولوجيات الحديثة وربط مهن علوم الآثار والتراث بسوق الشغل سواء بالفضاء الأكاديمي أو الاشتغال على تثمين التراث الثقافي في شقيه المادي وغير المادي.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 19/08/2025 على الساعة 15:10