ويحرص المهرجان الشعري على استضافة أكبر الأدباء العرب تأثيراً في المنطقة العربية، ممّن راكموا منجزاً أدبياً كبيراً له القدرة على خلخلة المفاهيم والنظريات وإعادة اجتراح أفق جديد للأدب العربي المعاصر. خاصّة وأنّ مثل هذه المهرجانات العربية تلعب دوراً كبيراً في توطيد العلاقة بين الأدباء المشارقة والمغاربة وخلق نقاش حقيقي بين الأدباء حول بعض من القضايا التي تطال الواقع اليوم. وعلى مدار سنوات، ظلّت العلاقة بين المغرب والعراق ذات تأثير كبير في المنطقة العربية، لأنّها علاقة مبنية على أسس ثقافيّة حقيقية وعلى شروط ثقافيّة صلبة ومتينة تراعي المنطلقات الإيديولوجية والخصائص التاريخية. وإذا كانت بغداد وإلى حدود السبعينيات تُشكّل مصدراً للمعرفة للعديد من الأدباء العرب، فإنّ الثقافة المغربية استطاعت منذ منتصف السبعينيات أنْ تُعلي صوتها مع عددٍ من المفكّرين والكتاب والشعراء، لدرجةٍ غدت فيها مؤثرة في الراهن الثقافي العربي، بحكم الإمكانات المذهلة التي أصبحت تتوفّر عليها.
اختيار محمّد بنيس ضيفاً على بغداد نابعٌ من قيمته الرمزية في تاريخ الثقافة المغربية. ذلك إنّه من الشعراء المغاربة المؤثرين الذين استطاعوا على مدار سنوات التأثير في الراهن الشعري المغربي. ومنذ أوّل عمل شعري له « ما قبل الكلام » كرّس بنيس اسمه كواحدٍ من الشعراء المغاربة الكبار ممّن نزعوا في نصوصهم إلى كتابة قصيدةٍ شعريّة عالمة بسياقها وتاريخها وذاكرتها وجنونها واستيهاماتها تجاه الواقع. وفي كلّ عملٍ شعري له يُطالعنا بنيس كشاعر مُجدّد له القُدرة على اختراق الآفاق والنزوع صوب شعرية بيضاء لا تقول شيئاً، بقدر ما تترك الجسد يكتب قصيدته من الفراغ.