وحسب المقدمة التي توصل le360 بنسخة منها، فإن آيت لعميم الذي يُعدّ أحد أبرز النقاد في المغرب، استهل كتابه بالحديث عن التطورات التي عرفها الشعر العربي منذ نشأته، والتي شملت في نظره « الشكل والمحتوى، وهذا يدل دلالة واضحة على الفعالية و النشاط و الحركية في الفعل الشعري، وأن الشعر العربي الذي هو وديعة الوجدان، والجنس الأدبي القادر على قياس نبض الأمة وحياتها، مازال لديه مخزون لا ينضب، وإمكانات هائلة لاكتشاف الحاضر و استثمار الماضي واستشراف المستقبل. فالشعر هو ذلك النسغ الذي يسري في الأشياء فيحولها إلى جمال فاتن. هو ذلك الكلام المختلف، الذي يصل إلى عمق الأشياء ويكشف الحجب عنها، إنه محاولة دؤوبة لتسليط الضوء على الخفي والمستور. هو جدل بين المرئي و المحجوب ».
وحسب صاحب «كاتب لا يستيقظ» يلاحظ المتتبع للمنجز الشعري العربي في هذا الجنس، أنه «لم يتم الانضباط المطلق لشكل الكتلة الشعرية، و الفقرة، المنافية للتقطيع و التشطير، والبياضات في آخر الأسطر الشعرية. بل زاوجت أو راوحت بين شكل الكتلة النثرية والقصيدة الحرة، من دون الانضباط لكم التفعيلات. محافظة بذلك على كثافتها وإيجازتها ومجانيتها». لذلك قام في هذه الدراسة الجديدة التي أنجزها حول شعراء ينتمون لهذه التجربة الجديدة بالاهتداء «بنصوص من حساسيات مختلفة، محاولين بذلك إبراز التنوع داخل الوحدة، ووحدة الموضوع داخل كثرة النصوص لأجيال متباعدة في الزمن و الجغرافيا، والوقوف على بصمة كل شاعر على حدة، من خلال هواجسه الخاصة، وهمومه الذاتية ووجهات نظره حول الوجود والعالم من حوله».
على هذا الأساس، بدا له من «خلال مصاحبة هذه التجارب الشعرية، أن سؤال العبور والاغتراب كان سؤالا مهيمنا في تجربة قصيدة النثر العربية، إذ العبور ارتبط بشعراء عرفوا حقيقة هجرة الأوطان لأسباب مختلفة، وعاشوا في المنافي، وفي أرض الاغتراب. حتى الذين لم يعبروا الجغرافيا، عرفوا عبورا آخر باتجاه الأعماق و دواخل ذواتهم، وعاشوا قلقا وجوديا وغربة داخل الذات. بهذا المعنى يتحول العبور إلى رمزية كبرى سواء كان عبورا للأمكنة. أم عبورا ومجازا باتجاه الأغوار والمياه العمقية للذات. وقد كانت مخرجات هذا العبور هو الإحساس القوي بوطأة الاغتراب».