يعد صاحب « الخطاب الفيلمي: البنية والوظيفة » من الأسماء النقدية التي تكتب بوعي أصيل. إذْ يحاول في مجمل ما يكتبه أنْ يخلق كتابة فريدة تنزاح بأفكارها ونظرياتها ومفاهيمها عن المعتاد. فكتابة الطروس يغلب عليها التشريح التقني الدقيق الذي يُحوّل الفيلم إلى مشاهد قابلة للتحليل. فهذه التقنية تساعد المشاهد على فهم المسار الجمالي الذي يمر منه الفيلم. كما تُساعد الناقد نفسه على تتبع سيرة الفيلم وفهم الميكانيزمات التي بها يشتغل وبها يبني رؤيته وتصوّره للعالم. بيد أنّ دراسة الطروس للأدب وحصوله على شهادة الدكتوراه في الأدب، كان من البديهي أنْ يُباغتنا يوماً بنصّ أدبيّ يُكسّر من حدّة النقد بما يتميّز به من لغةٍ تقريرية مقارنة باللغة الأدبية ذات النفحة الشعرية.
يقول الطروس في مجموعته الجديدة « تتفتح العينان السوداوان المتعبتان. تتسع الحدقتان. تحتويان الأفق الرمادي. تتحركان نحو الأمام في حركة سائرة في إيقاع رتيب. تمسحان في حركتها سطح البحر النائم. كل شيء راكد، قاتم، بارد، كئيب، حزين. يتحرك الرأس يميناً. يتحرك شمالا. تمسح العينان، المقيدتان بتجاعيد السنين، رصيفا بحريا ممتدا في الألوان القاتمة. ميناء قديما. كراسي حديدية طويلة، صدئة، فارغة، متروكة لبطش الرطوبة الأزلي. مصابيح كهربائية تقاوم، تصمد أمام كثافة الضباب تنوء بحملها أعمدة رمادية، نحيفة، متعبة. يشع الضوء فنار من بعيد في حركيته الدائرة. يتسلط الشعاع العابر على وجه صارم بارد النظرات. يمسح لحية كثة سوداء بيضاء. ينزلق على أنف ناتئ أمرد، على عينين سوداوين مطفأتين. يتلاشى دخان السيجارة السوداء في موجة الضوء الهاربة ».
جدير بالذكر أنّ محمد طروس نال شهادة الدكتوراه في الآداب، شعبة اللسانيات وسميولوجيا السينما، ويعمل حاليا أستاذ للخطاب السمعي البصري، متخصصا في المعالجة الدرامية للسيناريوهات وتحليل الخطاب الفيلمي. صدرت له مجموعة من المؤلفات منها « النظرية الحجاجية من خلال الدراسات البلاغية اللسانية والمنطقية » (2005)، و « الخطاب الفيلمي: البنية والوظيفة » (2006)، و « بيت ياسين: رهان الجودة في التلفزيون العربي » (2022)، سيناريست، كتب محمد طروس سيناريوهات أفلام روائية طويلة منها « جرعات زيادة »، و « الباليزا »، بالإضافة إلى سيناريوهات الأفلام الوثائقية « نويسترا » و « إيمراجن، المشي على الماء » حول الثقافة الحسانية. له مجموعة من البحوث والمقالات وأعمال الترجمة، حول الخطاب والسينما على وجه الخصوص.