يأتي هذا الكتاب انطلاقاُ مما يعيشه الفنان في ذاته بين التمثيل والتأليف المسرحي والإخراج السينمائي، إذْ رغم أنها مجالات مختلفة، فإنها إدريس الروخ يجعلها تنساب هادئة من ذاته. هذا التعدد هو الذي يقود المرء إلى الانتقال من عالم الصورة ومتخيلها إلى عالم الخطاب الكتابي ومدارته. بيد أن التشابه على مستوى الحكاية التي يتبعها كلا من السيناريست والروائي لا يجعل الروخ ينتقل من موضوع تخييلي إلى آخر. بل إنّه يتعامل مع النصّ بكامل ميكانيزماته وأدواته. وحسب عدد من الدراسات التي نشرها الروخ حول المسرح وغيرها، يمتلك لغته الخاصّة وأسلوبه التحليلي الحميمي للعروض المسرحية وإشكالاتها. لم يذهب الروخ إلى الرواية على أساس أنّها تحقق شهرة للكاتب أكثر من القصّة والشعر، بل لأنه شعر برغبة كتابة الرواية، خاصة وأنا قادم من مجال السينما التي يعتبر مجالاً لصناعة النجومية وبالتالي، فهو يتعامل مع النص الروائي على أساس أنه يُتيح له إمكانات للتعبير لا أكثر.
تقول الكاتبة المصرية ناهد صلاح في تقديمها للرواية " إدريس الروخ كتب الرواية قابضاً بأصابعه على روحها. قد عرفته مخرجاً، ممثلاً، كاتباً درامياً له تجربة حافلة في المسرح والدراما التلفزيونية، وفي السينما قدم فيلمه الروائي الأول « جرادة مالحة كلاعب محترف متبصّر بلعبته. أجواء غريبة غير تقليدية نقلت حكاية معقدة تتأرجح بين الفانتازيا والتراث الشعبي وبين الدراما النفسية. أجواء مثيرة تشبه إلأى حد ما « رداء النسيان » من حيث الغوض في نقطة عميقة للنفس البشرية. ثمة حالة روائية خالصة ونشطة هنا ينبوع الكاتب فيها، ويحتضن التفاصيل العاطفية المعقدة بالتكثيف والحي السلس في آن واحد، ما جنبها الوقوع في رهاب التطويل، عير أن الوجع كان كبيراً ولا طاقة للكاتب على رده، وكان لا بد من التعبير عنه بدرجة ما من درجات الخصوصية، والكشف القاسي عن حياة ملتاعة، درامية لكائن بشري، فنان يتمتع بخيال هائل، صادق، مفرط الحساسية بشكل مؤلم في تفاصيل مذهلة الإتقان والشاعرية ».