وحسب البلاغ فإنّ الديوان جاء في 220 صفحة من القطع الكبير، يجمع بين دواوين وقصائد من دواوين متعدّدة مثل: «فجر» (1984)، «مقاربة الخلاء» (1994)، «استهلال» (2002 ـ 2010)، «يومية» (2007)، «نجمة نائية» (2000)، «مقام الكثيب الأبيض» (2005 ـ 2010)، «رسالة الجزيرة النائية» (1996). لهذا فإنّ صدور هذا الديوان ضمن سلسلة «تجارب شعرية»، جاء كتكريم لمصطفى النيسابوري، الذي يعتبر في نظر بنيس أهم شاعر مغربي بالفرنسية ترك أثره في الحركة الشعرية، منذ الستينيات من القرن الماضي حتى اليوم.
وحسب المقدمة التي وضعها محمد بنيس، فقد جاء فيها أنّه تعرف على الشاعر مصطفى النيسابوري « من خلال العدد الأول، الصادر سنة 1966، من مجلة Souffle « أنفاس » التي كان مشاركاً في تأسيسها إلى جانب عبد اللطيف اللعبي. وهي مجلة أدبية، فنية، ثقافية، ذات توجّه طلائعي، تجمع شعراء وكتاباً بالفرنسية في البلدان المغاربية. إعجابي بالمجلة كان يزداد مع تلاحق صدور الأعداد. ومن عدد إلى آخر، كان النيسابوري حاضراً بقصائد ونصوص ودراسات. ثم تجدد اللقاء من خلال مجلة Intégral التي أسسها صحبة محمد المليحي سنة 1971، مجلة ثقافية، ينحصر اهتمامها في الأدب والفنون».
يضيف بنيس «وفي 1986 التقينا مباشرة بمناسبة مهرجان الشعرين العربي والفرنسي في مدينة غرونوبل. كنا معاً من بين المشاركين في هذا المهرجان التاريخي، الذي جمع نخبة من أبرز الشعراء العرب آنذاك إلى جانب نخبة موسعة أيضاً من الشعراء الفرنسيين. وعلى إثر هذا المهرجان انبثقتْ بيننا أخوّة شعرية، أفضتْ إلى تعاون تميز على الدوام بالجرأة والحرية والوفاء المتبادل».
وتجدر الإشارة حسب بنيس، بأنّ مصطفى النيسابوري « لم ينشر، حتى الآن، سوى أربعة أعمال شعرية في كتب. مع ذلك فإن ما قرأته له، عبر عقود من الزمن، قرّبني من كتاباته ودلّني على الحوار المتواصل معه والإنصات إليه. مصطفى النيسابوري شاعر بنى شعريته الخاصة، منذ عمله المرجعي الليلة الثانية بعد الألف، الذي صدر سنة 1975، ولقي صدى واسعاً في أوساط الدارسين والباحثين لأنه شكّل، بطريقته الجديدة في الكتابة، منعطفاً جذرياً في الأدب المكتوب بالفرنسية في المغرب».
واعتبر صاحب «الحداثة المعطوبة» بأنّ ذلك «العمل الشعري افتتح مساراً امتد ونضج خلال خمسة عقود، أعطى فيها أعمالاً ذات نفَس مستمر، مما يسمح بالنظر إليها كعمل (أو كتاب) واحد. إضافة إلى أنه أول شاعر مغربي أنتج، مع مطلع الثمانينيات، أعمالاً مشتركة مع فنانين تشكيليين مغاربة، في شكل كتب وحقائب فنية، تجعل منه رائداً في هذا المجال».
لهذا يرى صاحب «كتابة المحو» أنّ ذلك «ما غذّى لدي رغبةً صامتةً في ترجمة منتخبات من أعماله، تعود إلى فترات مختلفة وتتوزع عبر أجناس من الكتابة. بها يمكننا الاطلاع على مغامرة الرحيل لدى شاعر تشبث دائماً بالشعر. وهو ما أتمنى أن يكتشفه القارئ، من خلال هذه المنتخبات التي أقدمت بالتعاون الكامل مع الشاعر على ترجمتها».