خاصّ بـle360: مقتطفات من رواية «مفعول الشيطان» للمُخرج السينمائي هشام العسري (2)

الروائي والمخرج هشام العسري

الروائي والمخرج هشام العسري

في 12/04/2023 على الساعة 18:00, تحديث بتاريخ 12/04/2023 على الساعة 18:00

تتعدّد وتتوزّع التجربة الإبداعية لهشام العسري، بين الإخراج السينمائي والتلفزيوني، ثم الرسم والكتابة الروائية. ذلك إنّ مساره الإبداعي متفرّد ويظلّ دوماً مفتوحاً على حدود التجريب وأسئلته المُتشابكة بالواقع والمتخيّل.

وإنْ كان صاحب فيلم « البحر من ورائكم » في روايته الرابعة « مفعول الشيطان » يتجاوز حدود الواقع بكلّ حمولاته السياسيّة وميثولوجياته الاجتماعية، صوب أفكار ميتافيزيقية مُختلفة. غير أنّ الميتافيزيقي هنا، يحضر باعتباره أداة تدين الواقع وتكشف عن أعطابه وتصدّعاته. بل إنّ النصّ يُعدّ بمثابة سفرٍ فلسفي يطرح أسئلة حول الدين والوجود والسلطة والميتافيزيقا في علاقتها بالواقع الفيزيقي الذي ننتمي إليه. فهذا العُمق الفكري الذي تُطالعنا به « مفعول الشيطان » لا نعثر عليه حتّى عند كُتّاب معروفون بالكتابة الرواية ومُتخيّلها. وذلك في قالب حوار يمزج بيت الواقعي والتخييلي، بين ملائكة اليمين والشمال الذي يعملون على تسجيل حسنات وسيئات الإنسان في الوجود.

لقد عمد هشام العسري إلى نفسٍ روائيّ صعب، لا يطرق باب الواقع بطريقة فجّة ومُباشرة يُصبح فيها النصّ تدريباً إنشائياً، بقدر ما ينظر إلى الواقع بعينٍ ميتافيزيقية ما ورائية تسعى جاهدة إلى الإمساك بتفاصيل الملَكين منير وحكيم، عاملاً على إعطائهما صفاة بشرية آدمية، وذلك بهدف تقديم رؤية « أكثر إنسانية للموروث الديني، وتمثل ظواهر بشرية صرفة في مملكة السماء من جهة، والنّظر إلى أحوال الآدميين بغيرية ملائكية قصوى تقتفي أثر الإنسانية بتعقيدها المازج بين اليأس والأمل، التعاطف حدّ التماهي، والأنانية المفضية إلى الخذلان من جهةٍ ثانية، قبل أنْ يلتقي المنحيان في معضلةٍ نهائية تضع الجبن المتواري وراء الواجب المهني في كفّة والتسامي على الشرط الملائكي/الإنساني في كفّة ثانية » حسب كلمة المُترجم.

على مدار 3 أيام في الأسبوع (الاثنين، الأربعاء، الجمعة) يهديكم موقع le360 سلسلة خاصّة مُركّزة ومختارة بعنايةٍ من رواية « مفعول الشيطان » للكاتب والمخرج هشام العسري، والمُترجمة حديثاً من اللغة الفرنسيّة إلى العربيّة من طرف كلّ من سعيد المزواري وهوفيك حبشيان:

المقطع الأوّل:

يتقلّب هشام في نومه كعملاق، متسبّباً في اهتزاز الملَكين الصغيرين على كتفيه. يتقاذف حكيم في كل الاتّجاهات، متشبثاً بهالته ومطلقاً صرخات هامستر متقطّعة وقصيرة، بينما يناور منير بركبتيه مثل متزلج على قمّة موجة...

يرتدي هشام قناعاً يغطّي عينيه.

حكيم: هيهي... إنّه يهتزّ!

منير: ستعتاد على ذلك بسرعة... عليك بركوب الموجة نوعاً ما... مفعول الجاذبية مروّع فوق كتل اللحم المحيطة بأبناء آدم وحواء!

حكيم: ألا تتقزّز من كلّ هذه المادة العضوية؟

منير: في البداية، وحدها الرائحة كانت تزعجني أحيانًا... بعد ذلك تتناساها... حين تتعوّد على سماع الأذان خمس مرات في اليوم، كل يوم من الأسبوع، ينتهي بك الأمر إلى عدم الانتباه إليه كما تعلم... اعتماد هكذا نوع مبالغ فيه من التسويق لا يجدي، إنّها استراتيجية خاسرة...

حكيم: ...

منير: ليس من حسن الأدب أن تجيب بثلاث نقاط...

حكيم: طيب! ولماذا غادر لطفي... عادة ما تشتغل الملائكة في أزواج... أليس كذلك؟

يطلق منير تنهيدة أخرى. يتعلّق بهالته الشّاحبة كي يريح ساعديه.

حكيم: لا بأس إذا كنت لا تريد الحديث عن ذلك!

منير: اتّخذ لطفي قرارا جذريا... لقد تنازل!

متسلّحاً بالفضول، يحاول حكيم منع الغموض من مدّ أرجله فوق بساط الصمت الذي شرع في التكوّن بينهما...

حكيم: تنازل عن ماذا؟

منير: عن الإلهي داخله...

يتملّك الرعب حكيم... لو كان ممن يتنفّسون لخُطفت أنفاسه.

يصارع منير هالته وكأنه يسعى إلى نزعها. لكنّ الهالة متصلة برأسه بقوة غير مرئية.

حكيم: كيف يمكن فعل ذلك... الإلهي في كل مكان... كيف نتخلى عن شيء موجود في كل مكان من دون أن يكون شيئًا معيّناً!

منير: ربما، لكنه فعلها... تنازل عن الخلود من أجل الحب... حوّل هالته إلى خاتم زواج وارتبط بأوّل كيس لحم تقدّم إليه...

حكيم: هل يمكننا فعل هذا؟

منير: الأبله، لقد هجرني...

حكيم: أنا هنا من أجلك! يلتفت منير نحو حكيم الذي يقاوم نفسه حتى لا يبهره بابتسامته مرّة أخرى...

منير: أنت يا صديقي ما زلت لا تعرف ماذا ينتظرك!

حكيم: ماذا ينتظرني؟

منير: حتّى السخرية لا يفهمها هذا الأحمق!

حكيم: أنا بالأحرى ذكي جدا، يكفي أن تفسّر لي الأمور مرّتين...

منير: أتدري ما هي مهمتنا هنا؟

حكيم: لا!

منير: ولا لما تنفع سجلاتنا؟

حكيم: لديّ لوحة وبعض الواي فاي...!

منير: الخراء نفسه!

حكيم: هيهي، تلفّظت بكلمة قبيحة!

منير: دورنا هنا أن نظلّ على أكتاف الناس... الأبناء اللّحميون من صلب هذا المهووس آدم وحمقاؤه المهيّجة... وأن نحصي أعمالهم، حسنات كانت أو سيّئات...

حكيم: آه، الرياضيات... أنا أجيدها!

منير: كلا، بل المحاسبة أيها المغفّل!

حكيم: المحاسبة! أجيدها كذلك!

منير: إذن أنا على اليمين أسجّل كل الأعمال الصّالحة التي يقوم بها حمّالنا... وأنت تكتب جميع سيّئاته...

حكيم: آه! وما الهدف وراء ذلك؟

منير: بعد الموت سيذهب صاحبنا إلى محكمة الله... سيتمّ جلب السّجلّات وميزان صائغ مجوهرات صغير لوزن الأعمال الخيّرة والسيئة... إذا اقترف المسكين زلات أكثر من الأعمال الصالحة، فسيذهب إلى « مسلقة البيض » رفقة العم إبليس وباقي الزومبي... أما إذا غلبت كفّة الأعمال الصالحة في ميزانه، فسيكافأ بالذهاب إلى الجنة حيث يشرب الخمر، وينكح العذراوات ذوات البكارة السّميكة والمتجدّدة باستمرار...

حكيم: وماذا يحصل في حالة التعادل؟

منير: لا أعرف... يساق إلى المطهّر ربما... لكن هذا مجرد اختراع لصديقنا الشاعر المجنّح على الأرجح...

حكيم: من؟

منير: دانتي أليغييري...

حكيم: هل هو ملاك؟

منير: لا!

حكيم: لماذا يسمّى أليغييري « الشاعر المجنّح » إذن؟

منير: اللّحميون يحبّون إطلاق أسماء فخمة ومدّعية على أنفسهم...

حكيم: آه! والمطهّر... ما هو؟

منير: منزلة وسطى بين الجنّة والنار...

حكيم: لم أر يوماً شيئاً كهذا!

منير: لقد حذفه الله...

حكيم: لماذا؟ المنازل الوسطى شيء جميل!

منير: نعم، ربما، ولكن ربّنا لا يحب أنصاف المقاييس... إنّه من عشّاق المغالاة.

حكيم: وما دخل دانتي، الشاعر المجنّح، في قصة إلغاء الطابق الأوسط هاته؟

منير: لأن المغفّل قام في منشوره الكوميدي بوضع النبي محمد (ﷺ) مع شخصيات الجحيم، حيث يعيش ليلة قدر مجدّدة، من دون البراق، رفقة المدعو فيرجيل...

حكيم: كيف يضع النبي في النار؟ هل هو زنديق؟

منير: لا، مسيحي!

حكيم: هل هذا أسوأ؟

منير: كلا، مجرد ديانة مختلفة!

حكيم: آه! هذا مطمئن... هممم! لكن لماذا توجد ديانة أخرى؟

منير: لا أعلم... يحتاج الناس إلى الإيمان... يتّسمون بالغيرة كذلك... ولا يحبّون الاقتسام... لذا يخترعون أدياناً كثيرة... ثم يتم تقسيم كل دين إلى عدّة ديانات... يأخذون في الاصطفاف، فتنشب النّزاعات بينهم... تقول كل مجموعة: نحن فقط على حق... إلهنا هو الأقوى... يتم استبدال الإيمان بالبترول... والصلاة باليوغا... فتتجدد المعتقدات في نسخٍ أكثر فأكثر ليونة... ثم يكتفي الناس بالنّظر إلى شاشات الهواتف الذّكية... وتغدو هذه التفاتة التّقوى الوحيدة في حياتهم... أن يخفضوا رؤوسهم كي ينظروا إلى شاشات اللّمس... لقد حلّت الحياة الافتراضية مكان الحياة الأبدية...

(يتبع..)

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 12/04/2023 على الساعة 18:00, تحديث بتاريخ 12/04/2023 على الساعة 18:00