على هذا الأساس، ظهرت تجاربٌ سينمائية خاصّة، تُعنى بسينما المرأة وأحوالها، كما هو الحال مع فريدة بليزيد ونرجس النجّار ومريم التوزاني. والحقيقة أنّ ما يجعل هذه التجارب هامّة، أنّها لم تعمل فقط على رسم صورة بانورامية للمرأة المغربيّة وتشكيل ملامحها بطريقة مُتخيّلة فقط، بقدر ما نحتت واقعها وعرّت مُختلف أشكال السُلط الرمزيّة الأبويّة المُمارسة من قبل الرجل. ورغم الطابع الواقعي الدرامي العاري الذي تميّزت به أفلامهنّ، يبقى الخيال سمةٌ أساسية في تخييل الشخصيات والدفع بها.
فالسينما رغم غوصها في الواقع، فهي تبقى مُرتبطة بعنصر الخيال. لقد نجحت العديد من الأسماء السينمائية في تكثيف صورة المرأة والكشف عن مختلف المشاكل التي تعترضها داخل المجتمعات الأبيسية. غير أنّ مشكلة أفلام المرأة لا تستقرّ في الذهن، لكونها هشّة وتنطلق من مقوّماتٍ فكريّة هزيلة. لذلك نعثر على أفلامٍ ذات نمطٍ سطحي تستعرض سيرة قصص وفق نمطٍ حكائيّ رتيب، لا هو يغوص في جحيم الواقع، ولا يتذرّع بالخيال من أجل اجتراح صورةٍ مُتخيّلة تُعيد رسم ملامح المرأة وشؤونها وأهوالها.
في دراما رمضان، يغيب هذا الاهتمام بالمرأة، فحتّى لو ظهرت أعمالٌ تدّعي اهتمامها بها، فهي تُقدّمها بصورةٍ سيئة. لأنّ مُعظم المسلسلات تنطلق من أرضيةٍ هشّة وحكاياتٍ مُرتبكةٍ يُعاد توليفها داخل أعمالٍ درامية جديدة. بل إنّ البعض لا يجد حرجاً ولا عيباً في اقتناص أفكار وشخصيات وسياقات ومَشاهد من الدراما الأجنبية الممثلتين في الهندية والتركية. وهذا الأمر، يُساهم في تنميط الدراما المغربيّة ويجعلها مجرّد خطابٍ بصريّ واهٍ يدّعي الإحاطة بالواقع، لكنّه في الواقع مجرّد خطاب فارغ يفتقر إلى كلّ شروط التخييل. إنّ الدراما اليوم، في حاجةٍ إلى أنْ تُجدّد نفسها لا من الداخل فقط، بل انطلاقاً من طريقة فهمها لمفهوم الدراما. فهذا التنميط يجعل مُجمل المسلسلات معطوبة في علاقتها بالواقع، فهي تستلهم صُوَراً ومَشاهداً ليس لها، إنّها تُحلّلها وتعمل على تقطيرها داخل قالبٍ فنّي لا علاقة له بالواقع.
في حين نعثر على مُسلسلات أخرى، تغوص في الواقع بكلّ قاموسه ومفاهيمه، فتُصبح الصورة الدرامية، تُحاكي الواقع وتجترّه وتُعطّل معه عنصر التخييل الذي يبقى شرطاً أساسياً في الصناعة الدرامية. وبقدر ما تكثر الأدوار النسائية داخل هذه الدراما، تغيب الموضوعات الحقيقية المُرتبطة بها. فمَشاهد الاغتصاب أو الخيانة أو العنف في حقّ المرأة داخل مَشاهد درامية غير كافية للحديث عن دراما المرأة، لأنّ الأمر، يدخلنا في مجموعةٍ من الصُوَر النمطيّة المُكرّرة من عملٍ درامي إلى آخر. بل إنّ ما نحتاجه، هو كيفية معالجة القصص والحكايات من وجهة نظرٍ تغدو فيها الدراما مُختبراً حقيقياً لبلورة رؤى وإدانة أفكار مُستوطنة في بنية اللاوعي المغربي.