في كلّ الإضرابات المُنظّمة لا يتمّ ذكر البحث العلمي مع أنّ هذا العنصر هو الذي به تتقدّم الجامعات والمعاهد وعلى منواله يتم بلورة مشاريع ثقافيّة بحثيّة تُنمّي المجتمعات وتجعلها تدخل سيرورة التحديث والحداثة. فهذا العنصر لا يأتي ذكره إلاّ من حاجتهم إلى دعمٍ مادّي للقيام به مع أنّ بعض الأنشطة الثقافيّة قد لا تحتاج إلى دعمٍ كبير للقيام وتسييرها، إلاّ إذا تعلّق الأمر ببعض المجلاّت الأدبيّة التي تعمل بعض المختبرات العلمية على إصدارها وفق آلية تسلسليةٍ فصلية أو نصف سنوية، إذ تحتاج دعماً خاصّاً لتطويرها والترويج لها، بما يُرافقها من ديزاين وفهرسة وطبعٍ وتنظيم.
من حقّ الجامعي أنْ يُطالب بتحسين وضعيته الاجتماعية، مادام أنّ مُختلف القطاعات الأخرى قد مستها الزيادة في الأجور أو منح بعض الامتيازات الخاصّة لتسهيل الحياة ومجاريها، لكنْ أنْ يتذرّع البعض من كون تراجع التعليم العالي والبحث العلمي في المغرب، يعود أساسا إلى مشكل مادّي محض، أمرٌ يدعو إلى الضحك والاستخفاف، ما دامت بعض المكتبات بها كُتبٌ لم تمسها أيادي باحث من قبل، بل إنّ تصريحات بعض الزملاء من المحافظين داخل مكتبات الجامعات المغربيّة يقشعرّ لها الجسد، لكون الجامعي لا يطرق باب المكتبة، ولا يعتكف فيها من أجل القراءة والمُشاركة في الندوات التي تُنظّمها الجامعة تحت ذريعة أنّ الواقع اليوميّ لا يستجيب لمُتطلّبات الثقافة وفتنتها، رغم دورها الحيويّ الخلاّق تربية الناس وتهذيب أذواقهم وجعلهم يرتقون في سلالم وعيهم.
وإذا كان الجامعي يعتبر أنّ عملية التلقين، تُشكّل « ترفاً » بالنسبة له، يجعله يتذرّع بها من أجل ضمان حقوقه، فهذا أمرٌ غدا مُتجاوزاً في زمن منصّات، لا تحتاج سوى نقرة واحدة، حتّى تجد نفسها في بحرٍ من المعلومات التي لا تنتهي، مُرصّعة بالصُوَر والخرائط والتعليقات والمبيانات التوضيحية التي تجعل حضور الأستاذ غير مُهمّ كمصدرٍ للمعلومة في الزمن المعاصر. لقد غدا التلقين مُتجاوزاً في تكوين الناس، مادام أنّ كلّ شيءٍ مُتوفّر على الإنترنت ولا يحتاج إلاّ للقراءة والفهم فقط. بل إنّ الكثير من الجامعيين ما يزالون يستظهرون النظريات والمفاهيم على طلبتهم ويدعونهم إلى كتابتها ويدعونهم إلى تدوينها في مَشاهد كوميدية ساخرة تُظهر حجم المآزق والتصدّعات التي تعيشها الجامعة المغربيّة اليوم.
من المُخجل أنْ يتباهى بعض الأساتذة الجامعيين أنّه أشرف على آلاف من الأطاريح الجامعية التي يقوم بها الطلبة والباحثين، مع العلم أنّ الذين درسوا بالجامعات المغربيّة يعرفون أنّ الأمر يعلّق بتسجيل الاسم وموضوع البحث على لائحة وإرساله في الدقيقة الأخيرة قبل انعقاد المناقشة، لكون أنّ البعض لا يعمل على تأطير الطلبة ومُناقشتهم فيها يكتبون ويُفكّرون فيه ومُحاولة إرشادهم إلى موضوعاتٍ جديدة تُسهّل لهم التموقع والوجود داخل جغرافيات البحث العلمي المغربيّ.