أشرف الحساني يكتب: ثقافة الإكسيسوار

أشرف الحساني

في 14/08/2025 على الساعة 19:45

مقال رأيأكبر محنة تعرّضت لها الثقافة في تاريخ الطويل، هي ما باتت تعاني منه اليوم من هشاشة ضمن سياسة المال السائب، بعدما تحوّل عمل بعض الجمعيات الثقافية، إلى عبارة عن عمل منظّم و«تجارة» مربحة للرأسمال الرمزي، والتي لا يستفيد منها ضيوف الملتقيات والمشاركون في الندوات واللقاءات، وإنّما باتت حكراً على أعضاء الجمعيات، ممّن يسترزقون من العمل الثقافي ويجعلون منه أفقاً تجارياً.

في غمرة المشاكل السياسية والصعوبات المادية والإشكالات الفكرية التي كانت تعاني منها الثقافة المغربية إبان سبعينيات القرن الماضي، لم تكُن الثقافة عبارة عن إكسيسوار للمَشاريع السياسيّة كما يحدث الآن. فقد كانت الثقافة في أساسها عبارة عن مشروع حداثي حقيقي، يعمل بموجبه الأديب والفنان والمفكّر والباحث والإعلامي، على إخراج الناس من براثن الجهل وجعل الثقافة عبارة عن أداة فكرية لممارسة العمل السياسي. إذْ كان هذا الأخير، لا يجد أيّ حرج في الحديث عن الثقافة وفرض المشروع الثقافي داخل اجتماعات الأحزاب والنقابات، لأنه كان يؤمن بالدور الفعّال الذي كانت تلعبه الثقافة في السمو بالفعل السياسي وإعادة التفكير في الفضاء العمومي وفق آلية فكرية تقوم على جعل الثقافة أفقاً وليس إكسيسواراً.

ينبغي أنْ نعترف أنّ الثقافة الحقيقية ازدهرت داخل أحزاب اليسار وليس خارجها، وأعني هنا الثقافة المبنيّة على الالتزام وعلى أسس حداثية والمُتطلّعة إلى جعلها أداة في النّظر إلى الواقع وتحوّلاته. لذلك برز في صفوف اليسار على اختلاف أفكاره وأطيافه ومرجعياته العديد من الأسماء السياسية التي تمارس الثقافة وتتعامل معها وفق آلية تقوم على الالتزام والنقد.

حقّق اليسار حين كان يساراً العديد من المكاسب الثقافيّة التي يعود إليه الفضل اليوم إلى تكريسها، بعدما غدت الممارسة الثقافية قضية حزبية بامتياز. ورغم النقد اللاذع الذي نصبغه أحياناً اليوم على ثقافة الأحزاب وطبيعة برامجها الثقافيّة البراغماتية وما ينبغي أنْ تكون عليه في حقيقة الأمر، فإنّنا نُحّن إلى تلك المرحلة التي كانت فيها الجمعيات الثقافية، تعمل بجدّ كبير وتسهر على تنظيم لقاءات ومعارض وعرض أفلام بدون أيّ دعمٍ من جهة ما. ذلك إنّ الكثير من التنظيمات والأفكار التي تحبل بها الثقافة المغربية الآن، كانت وليدة تلك المرحلة بكل ما رافقها من جرحٍ سياسي وانبعاث مجتمعي وتضحية كبيرة في سبيل تكريس الفعل الثقافي الوطني، وجعله مدار تفكير حقيقي داخل الأجندات السياسية للأحزاب والنقابات بالمغرب.

أين نحن اليوم من ذلك الزخم الثقافي الذي لعبت من خلاله الجمعيات والمجلات والأحزاب دوراً بارزاً في تكريس ثقافة الحداثة؟ في وقتٍ أصبحت فيه بعض الجمعيات عبارة عن أداة لسرقة المال العام، فالجمعيات خلال سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، لم تكُن عبارة عن مكسب بالنسبة لأصحابها خارج الأفق الرمزي الذي يشغل الأعضاء ويُدافعون عليه بشكل يوميّ وليس موسمي، بعدما أضحت في زمننا بمثابة وظيفة « مربحة » تُجيد العديد من الأسماء المحسوبة على الثقافة والفنّ تصريف المال العام على شكل لقاءات أدبيّة تافهة ومعارض فنّية هشّة لأشخاص لم يسمع بهم أحد من قبل ولا يحملون أيّ مشروع ثقافي يجعلهم يفكّرون في المجتمع.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 14/08/2025 على الساعة 19:45