تأتي قيمة هذا الكتاب في كونه يقارب مفهوم التراث لكن من زاوية قانونية، إذْ نادراً ما نعثر على مؤلفات من هذا القبيل التي تحاول أنْ توسع النّظر إلى مفهوم التراث وتعمل من زوايا نظر مختلفة على تقديم مقاربة مختلفة للتراث توازي في منطلقاتها بين ما توجد عليه الاتفاقيات الدولية وما يتم العمل به من جانب التشريع الوطني. لذلك فإنّ إعادة التفكير في هذه العناصر من شأنه أنْ يزيد الاهتمام بقانون التراث المادي واللامادي ويوسّع من أفق التفكير فيه، بحكم التحولات التي باتت تعرفها المنظومة التراثية.
ذلك أنّ الدراسات التي تهتم بالتراث لم تخرج عن البعد التوثيقي الذي يجعل بعض الباحثين يعملون وضع سجلات للحكاية الشعبية ويعيدون تحليل بعض الأمثلة الشعبية من أجل إبراز ملامحها وجمالياتها وما تنضح به من أبعاد ثقافية ذات دلالات رمزية متجذّرة في التربة المغربية. في حين لا نعثر على دراسات تتناول بالدرس والتحليل المجال التراثي من الوضعية القانونية وتعى إلى مناقشتها وإبراز أهميتها أمام مختلف أشكال التخريب التي تطال بعض نماذج من التراث المعماري في العديد من مدن المملكة.
يقول الدكتور بنبوعيدة «لقد حاول الكاتب تسليط الضوء على واقع التشريع الحالي في مجال التراث على المستوى الدولي والوطني، وفتح آفاق البحث على سياسة جنائية منصفة للتراث بإمكانها أن تترجم المقتضيات الدستورية التي تنادي بحماية التراث المغربي على مستوى الواقع، ضماناً لمقدرات الأمة المغربية وكنوزها المادية وغير المادية، والعمل على استرداد ما يمكن أن يكون قد ضاع منها على مدى العصور باعتبار ذلك الاسترداد واجباً قانونياً وأخلاقياً تجاه أجيال المستقبل، لذلك في نظرنا لا بد لتحقيق ذلك من إعادة النظر في طبيعة الجرائم التراثية وتقدير مدى خطورتها وتقدير المسؤولية الجنائية للفرد والمجتمع فيما يتعرض له التراث من جرائم».
ويرى مقدّم الكتاب أنّ «البحث الرصين الذي اعتمد الكتاب في كفايات القوانين والتشريعات وفدرتها بشقيها الموضوعي والإجرائي على توفير الحماية الجنائية للتراث المغربي، يمكننا بعد اطلاعنا على مختلف القوانين الدولية والوطنية من تقييم السياسة الجنائية المعتمدة وطنياً فيما يتعلق بالتراث في مجالي التجريم والعقاب».
ويبقى الكاتب في نظر بنبوعيدة «محاولة جادة تناول موضوع بالغ الأهمية والتعقيد خاصة مع ندرة الدراسات التي تتناول التراث على المستويين القانوني والجنائي».




