ويأتي هذا الاختيار المعرفي كحظوة فكرية تُحرّر النقد من رتابته التقنية وتُحوّله إلى عملية فكريّة تُفكّر في اللوحة ومتاهاتها وتجعلها مطية لمقاربة أسئلة فكرية تتعلّق بالذاكرة والمادة والتراث والسند، وهي أسئلة طالما طرحها زوجها الفنان التشكيلي فريد بلكاهية في مُجمل أعماله التشكيلية القويّة ذات العلاقة بالتراث والحداثة. لكنْ حين تُمارس رجاء بنشمسي النقد الفنّي، فهو يتحوّل عندها إلى أشبه بنصّ شعري يتحاور مع اللوحة وعناصرها الفنية. إنّه حوار مبني على نوعٍ من التفكيك الذي يُحوّل فعل الكتابة إلى غلالة شفافة تلتصق بتضاريس اللوحة، فتُحاول الكشف عن متاهاتها ومباهجها.
قطعت رجاء بنشمسي وعداً لزوجها الفنان الراحل فريد بلكاهية، أنّه سينم تأسيس مؤسّسة باسمه تحمل جميع صُوَره ولوحاته وأدواته وكُتبه وكافّة أحلامه، بما يجعله باقياً في الذاكرة الجمعية. على أساس أنّ الأعمال الفنية تكتسب حياة جديدة برحيل صاحبها، خاصّة عندما تُعرض هذه الأعمال في متاحف ومؤسسات وطنية ودولية، بما يُمكّن المتلقي خلق علاقة آسرة مع العمل الفني وذاكرته.
تُدير رجاء بنشمسي اليوم مؤسسة فريد بلكاهية وتحرص دائماً في هذا الفضاء الساحر على تنظيم لقاءات ومعارض تُعرّف بالموروث الفني للفنان فريد بلكاهية، وتسعى جاهدة إلى التواصل وتقديم يد العون والمساعدة إلى عدد كبير من الباحثين من مختلف دول العالم. ورغم العدد الذين يزور المؤسسة من المغاربة قليل جداً، بالمقارنة مع الأجانب الذين يترددون دوماً لرؤية لوحات بلكاهية، فإنّ المؤسسة تشتغل بقوّة رغم شحّ الدعم، فهي تُناضل من أجل أنْ تبقى المؤسسة قائمة داخل البيئة المراكشية، بما يُتيح للأعمال الفنية ضمان ديمومتها داخل البلد الذي تبرعمت فيه لأوّل مرة.