خاص بـle360: مقتطفات من رواية «مفعول الشيطان» للمُخرج السينمائي هشام العسري (7)

هشام العسري يحمل روايته مفعول الشيطان

هشام العسري يحمل روايته مفعول الشيطان

في 24/04/2023 على الساعة 17:00, تحديث بتاريخ 24/04/2023 على الساعة 17:00

تتعدّد وتتوزّع التجربة الإبداعية لهشام العسري، بين الإخراج السينمائي والتلفزيوني، ثم الرسم والكتابة الروائية. ذلك إنّ مساره الإبداعي متفرّد ويظلّ دوماً مفتوحاً على حدود التجريب وأسئلته المُتشابكة بالواقع والمتخيّل.

وإنْ كان صاحب فيلم « البحر من ورائكم » في روايته الرابعة « مفعول الشيطان » يتجاوز حدود الواقع بكلّ حمولاته السياسيّة وميثولوجياته الاجتماعية، صوب أفكار ميتافيزيقية مُختلفة. غير أنّ الميتافيزيقي هنا، يحضر باعتباره أداة تدين الواقع وتكشف عن أعطابه وتصدّعاته. بل إنّ النصّ يُعدّ بمثابة سفرٍ فلسفي يطرح أسئلة حول الدين والوجود والسلطة والميتافيزيقا في علاقتها بالواقع الفيزيقي الذي ننتمي إليه. فهذا العُمق الفكري الذي تُطالعنا به « مفعول الشيطان » لا نعثر عليه حتّى عند كُتّاب معروفون بالكتابة الرواية ومُتخيّلها. وذلك في قالب حوار يمزج بيت الواقعي والتخييلي، بين ملائكة اليمين والشمال الذي يعملون على تسجيل حسنات وسيئات الإنسان في الوجود.

لقد عمد هشام العسري إلى نفسٍ روائيّ صعب، لا يطرق باب الواقع بطريقة فجّة ومُباشرة يُصبح فيها النصّ تدريباً إنشائياً، بقدر ما ينظر إلى الواقع بعينٍ ميتافيزيقية ما ورائية تسعى جاهدة إلى الإمساك بتفاصيل الملَكين منير وحكيم، عاملاً على إعطائهما صفاة بشرية آدمية، وذلك بهدف تقديم رؤية « أكثر إنسانية للموروث الديني، وتمثل ظواهر بشرية صرفة في مملكة السماء من جهة، والنّظر إلى أحوال الآدميين بغيرية ملائكية قصوى تقتفي أثر الإنسانية بتعقيدها المازج بين اليأس والأمل، التعاطف حدّ التماهي، والأنانية المفضية إلى الخذلان من جهةٍ ثانية، قبل أنْ يلتقي المنحيان في معضلةٍ نهائية تضع الجبن المتواري وراء الواجب المهني في كفّة والتسامي على الشرط الملائكي/الإنساني في كفّة ثانية » حسب كلمة المُترجم.

على مدار 3 أيام في الأسبوع (الاثنين، الأربعاء، الجمعة) يهديكم موقع le360 سلسلة خاصّة مُركّزة ومختارة بعنايةٍ من رواية « مفعول الشيطان » للكاتب والمخرج هشام العسري، والمُترجمة حديثاً من اللغة الفرنسيّة إلى العربيّة من طرف كلّ من سعيد المزواري وهوفيك حبشيان:

المقطع 7:

تمر بضع دقائق وسط الصمت الرهباني الذي يلف سيارة هشام بينما تتدافع بالكوع مع قريناتها لتسلك المخرج الموالي، وتلتحق بقلب المدينة من جديد...

فقط عضلات فك هشام المشدودة تنبئ بالانفعال الذي يهز أحشائه.

حكيم: كل هذا معقّد جداً، ألا تعتقد ذلك؟

منير: كما تعلم... لا أريد أن أكرّر نفسي، لكنّها القصة ذاتها... بفعل الأنا أو كشكل من أشكال الغطرسة... يضع أبناء آدم أنفسهم في مواقف حرجة، ثم يشرعون في البحث عن مخارج... يجدون في ذلك إحساساً بالدراما... الملحمة... النضال... التضحية... الاستشهاد... البطل المنتصر... غنائية القلوب التي تترك مساحة ضئيلة جدًا لأوهام العقل... لماذا يتآكلنا السأم في الجنة فيما الأرض تسكنها الثعابين؟ لماذا نأكل التفاح والجنان زاخرة بفاكهة التنين؟ لماذا نكوّن أمة واحدة وبإمكاننا أن نشنّ الحروب؟ لماذا نتحدث لغة واحدة عندما يمنحنا برج بابل متعة أن لا نفهم بعضنا البعض؟ لماذا نقتصر على لون واحد فقط بينما في استطاعتنا صنع قوس قزح...؟ هنا يكمن معنى الميلودراما الخاصة بالبشرية... يشغلون أنفسهم حتى لا يتآكلهم الارتجاف من أفق موتٍ محتوم!

حكيم: لكن ليس لديهم سوى القليل من الوقت كي يعيشوه بشكل فرداني...

منير: نعم، ولكنك عندما لا تدرك معنى الخلود... سرعان ما تملّ من انتظار حدوث شيء مفعم بالحيوية... هكذا تم اختراع الكيرلنغ أو الروليت الروسي...

حكيم: هذا تفسير مبسّط!

منير: إذا أردت، لكن من أجل أن يشغلوا أنفسهم، اخترعوا كل الألعاب القاسية التي يمارسونها في أوقات الفراغ، عندما يبتعد عنهم النوم جافياً، مثل مدٍّ منخفض...

حكيم: أنت ضبابي للغاية...

منير: صحيح... الحديث عن الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش وسؤال التعذيب وترحيل المصارعين وحروب النفط والأديان... سرعان ما يغدو مملاً...

حكيم: ...

منير: هل تعلم أن الشمال يتظاهر بلعب دور تقنيي الصيانة في دول العالم الثالث لتنظيف أقبيتها وإفراغها من النفط والمواد الأولية؟

حكيم: ...

ينظر حكيم إلى شاشته للحصول على قسط من الراحة، ولكن أيضًا للبحث عن مَعلم ارتكاز. يمرر إصبعه على شاشة اللمس، متظاهرًا برقن معلومة ما.

منير: عليك أن تسطّر تحت العالم بالقلم المشعّ، هنا تكمن أم المصائب... يمكنك تدوين ذلك في برشمانك الإلكتروني...

حكيم: ...

منير: أي منطق تنتظره من كتلة خلايا في طور الاحتضار؟

حكيم: لم أدوّن شيئاً منذ الصباح...

منير: ولا أنا!

حكيم: حسناً، ولكن الأعمال الصالحة نادرة حسب ما فهمت!

منير: حقاً؟ هل هذا ما يتردّد في الإدارة العامة؟

حكيم: مواربةً... لهذا اخترت أن أسجّل السيئات...

منير: أنت من اخترت أن تكون على اليسار؟

حكيم: نعم!

منير: هل تعلم أنك على كتف الذراع التي تنظف البراز؟

حكيم: بوسعك قول ذلك!

منير: ولماذا؟

حكيم: شعرت أن هناك المزيد لأفعله، عملٌ أكثر...

منير: « مزيد من العمل »؟! توريط كائنات اللحم المسكينة، هل هذا ما تسميه « عملاً »؟

حكيم: نعم، أنا عبد مطيع لجلالته... أريد أن أتألق... أن أتسلق الرّتب...

منير: أنت غبي... أنت تتألق أصلاً... أنت ملاك...

حكيم: أردت أن أبهر بتألقي... أن أحصل على هالة أفضل فوق رأسي... أن أختبر القداسة...

منير: يا لك من نازي!

حكيم: لماذا؟

منير: تافه!

حكيم: لكن لماذا؟

منير: خرقة بول!

حكيم: كيف يُسمح بإهانة الملائكة إلى هذا الحدّ!

منير: أحان دورك لتنزع سروالك وتحني رقبتك؟... هل تحب مشروع الوشاية هذا؟ زعيم أخرق لمقاولة التبليغ عن المخالفات... اخترت الأمان أليس كذلك؟ الوشاية في شركة صغيرة أو متوسطة ينتظرها مستقبل زاهر في قطاع بعث الرسائل المجهولة... نحن نوظف عمّال توصيل من عند Glovo وفق عقود مفتوحة لإدانة الرؤوس المحروقة... يا لك من متواطئ من فصيلة ريباتيه، أيها الوغد برازيياك! تجد الوشاية تجارةً مربحة؟! التخابر مع العدو مقابل علاوةٍ من نور؟! أنت كتلة من الخراء!

حكيم: عباراتك ساحرة للغاية، لكنها خاطئة تمامًا!

منير: ما أدراك أنت بالفوضى العارمة... فيتنام... حرب الهند الصينية... خليج الخنازير... حرب أفغانستان... الأحياء المهمّشة في هذا العالم الموحل... هل سمعت عنها من قبل؟

حكيم: نوعاً ما!

منير: سأبسّطها لك إذن أيها الطموح الصغير... هنا... على هذا الحجر المنسي من الله، مع نسل العم آدم، نحن مجرد ذخيرة للمدافع... عسكر المشاة، وأول من يسقط في الحروب... ذوو الشّعر والصّلع وأصحاب الشوارب والملتحون والراستافاري والسيخ والزولو والهنود الحمر والأرمن والتوتسي... هذا هو الصفّ الأول. يتلقون دائماً الضربات، أصحاب الصف الأول، وبمنتهى القسوة... إنهم الزومبي الذين لا يضرّ ضربهم في شيء... هل تفهم؟

حكيم: أحاول!

منير: حاول أن تسرع...

حكيم: ما الخطب مرة أخرى؟

منير: الأمر وما فيه أنك تخطئ الطريق حين تسعى للالتحاق بالدوائر العليا... في أحسن الأحوال سوف يتم ذكرك على نصب الجندي المجهول... والمجهولون ليسوا قلّة، صدّقني!

حكيم: لا تكن سلبيًا إلى هذا الحدّ !

منير: أنت على حق... أضحت الواقعية خللاً، والوضوح مرضاً عقلياً... أشكرك لأنك وضعتني في صورتي...

حكيم: لا، لم يكن هدفي أن أحبطك...

منير: لا أعرف ما أعتقد بشأنك بعد الآن...

حكيم: مثلما أعتقد بنفسي...

منير: أنت أول من يخبرني أنه اختار تدوين السيئات بمحض إرادته... قصتك تثير اهتمامي...

حكيم: ليست لدي قصة!

منير: بلى... لدى كل واحد منا قصّة...

حكيم: ليس أنا...

منير: لا تريد أن تخبرني... هل هي سر؟

حكيم: لا إطلاقا... ليست لدي قصة أقول لك...

منير: لا بأس... في الوقت المناسب، ستتفتح مثل الزهرة، وتخبرني بقصتك في اللحظة الحاسمة... لقد سمعت بالفعل قصصًا من هذا القبيل، من أشخاص متكتمين ينهارون في مواجهة مأساة أو عقبة ما... لا تنسَ أنني أتيت إلى المنفى هنا طواعية، وأنني أعرف جيداً كيف أتحلى بالصبر!

يسود هدوء ناصع البياض بينما يتزود هشام بالوقود. يبدو الآن أقل تأثرًا بالغضب والقلق. يتحكم في نفسه بشكل أفضل، ويتمكن من شرب قهوته في مقصف المحطة من دون أن تنسكب قطرة منها على ملابسه...

حكيم: ما مشكلته؟

منير: مستاء قليلاً.

حكيم: ولكن ما المشكلة في ذلك؟!

منير: لا شيء، تبّانه مزدحمٌ بالكبرياء والخصي!

حكيم: ماذا يعني ذلك؟

منير: إنها وسيلة مثل أخرى للرد على الارتخاء... جواب على القضيب المترهل والبطن البارز... جرعات صغيرة من الوضاعة تُتّخذ كتطعيم ضد الرداءة!

حكيم: ...

منير: يلوم نفسه على سفالته مع الآنسة!

حكيم:...

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 24/04/2023 على الساعة 17:00, تحديث بتاريخ 24/04/2023 على الساعة 17:00