في هذه السهرة الغنائية أدت ثريا الحضراوي بعض من الموشحات الأكثر حضوراً وتجذّراً في التراث العربي. إذ وجد الحضور نفسه أمام تجربة غنية متعددة المشارب من حيث الخامات الصوتية وتدفّقاتها الموسيقية وهي ترج مسام الجسد وتدفع الحاضرين إلى إعادة محاكاة القصائد الشعرية. وقد كانت الأمسية الفنية عبارة عن مختبر جمالي تتقاطع فيه جماليات الأغنية برهافة الآلة الإلكترونية وعذوبتها. إنّهما معاً يُشكّلان مختبراً لتكثيف الاشتغال الفني، بحيث يحاولان خلق نوعٍ من التقاطع المدفوع بهاجس التجريب. وتُعتبر هذه الطريقة في الاشتغال الفني من المحاولات الأولى والرائدة في المغرب التي تضع النصّ التراثي الشعري العربي على حدود الآلة الموسيقية المعاصرة. إنّها رؤية تجديدية تروم خلق حداثة غنائية يُعوّل عليها من الناحية الجماليّة. وذلك من أجل تجديد الغناء التراثي المغربي وإخراجه من طابعه التقليدي المتداول.
تعرّفت ساكنة الرباط على جون مارك مونتيرا الذي يُعدّ أحد العلامات البارزة في المشهد الموسيقي العالمي. تجربة فذة وغنية تُحطّم كافة الأفكار والمعتقدات التي انبنى عليها فهمنا للموسيقي الحديثة، بل إنّ مونتيرا يجعل من آلة الغيتار أشبه بمطبخٍ فني يُحاول عبره البحث عن لغةٍ موسيقية شاعرية وغير مألوفة في ذهن المُستمع. وجد الحاضرون أنفسهم أمام عمل فني مركّب ومتكامل تتقاطع فيه الأصوات والكلمات داخل أزمنة متعدّدة وسياقات مختلفة، لكنّها تتوحّد بشكلٍ حميمي فوق خشبة المسرح.
