أمام غمرة التحوّلات الدبلوماسية التي باتت تطبع علاقة المغرب بإفريقيا، لا يعثر المرء اليوم، على كتابات ودراسات حول الفنون الإفريقية، نظراً للمكانة التي تتنزلها هذه الفنون داخل الفنّ المعاصر. فقد استطاعت العديد من التجارب الإفريقية، أنْ ترسم لها أفقاً بصرياً مغايراً، سواء تعلّق الأمر بالسينما أو التشكيل. لذلك فإنّ عملية الاهتمام بتاريخ الفنون الإفريقية، يُشكّل بالنسبة للثقافة المغربيّة ضرورة مُلحّة من أجل فهم الخصوصيات الثقافية والمرجعيات الجمالية التي تتأسّس عليها هذه الفنون ومدى تقاطعاتها مع التجربة الفنية المغربية. خاصة وأنّنا حين نتحدث عن المغرب داخل محيطه الإفريقي، نكون دائماً في حضرة تاريخ مشترك ضارب في قدم الحضارة المغربيّة، سيما وأنّ عملية الحفر في المتخيّل البصريّ الإفريقي، ستُتيح لنا فهم حدود التقاطع والتلاقي بين المغرب وإفريقيا.
إنّ الفنون على اختلاف أنواعها وأشكالها، تلعب دوراً كبيراً في تقوية العلاقات بين البلدان وتُساهم بكيفية علمية في تأمّل المسارات التاريخيّة والمرجعيات الثقافية بين البلدان وذلك في سبيل البحث عن علاقة أصيلة قوامها الابداع والابتكار.
وفي الوقت الذي نجحت فيه العديد من المؤسسات الفنية بالمغرب، في استقطاب وجوه تشكيلية وفوتوغرافية وسينمائية، سواء عن طريق المشاركة في سمبوزيومات فنية أو معارض جماعية أو داخل مهرجانات سينمائية، فإنّ الوعي النقدي البحثي بأهمية هذه الفنون وتأثيرها في الثقافة المغربية، ما يزال لم ينضج بعد، بكيفية مستمرة تصبح فيها المؤسسات الثقافية تتبنّى مشروعاً فكرياً يقوم على دعم وتشجيع مجال البحث في تاريخ الفنون الأفريقية، بحكم قيمتها الفنية ومرجعياتها الجمالية التي تنهل منها وتصوغ عبرها أفقها البصريّ.
وإلى جانب مختلف أشكال التعاون السياسي والاقتصادي التي باتت تطال المغرب في علاقته بإفريقيا، تلعب الفنون دوراً محورياً في بناء وتجسير هذه العلاقة، ذلك إنّ الثقافة في بعدها المركّب، تساهم في تقريب أواصر الصداقة وتجعلها مبنية على فكرة التفكير في الجذور التاريخية وإعادة تأمّلها وفق آلية علمية تقوم على استحضار الأبعاد الرمزيّة، بعيداً عن السياسة والاقتصاد. وعلى الرغم من التأثير الذي يمارسه الاقتصاد على المؤسسات واستمرارية مختلف أشكال التعاون، فإنّ الفنون المعاصرة، باتت تعطي لإفريقيا إشعاعاً دولياً كبيراً، سيما المشاركات الناجحة للعديد من الفنانين والموسيقيين والسينمائيين والتشكيليين داخل بعض المحافل الدولية الهامّة.
إنّ التفكير في العلاقات المغربية الإفريقية، انطلاقاً من المدخل الثقافي يعطي للعلاقة شرعية علمية مؤسسة على شروط تاريخية ومرجعيات واقعية، أيْ أنّها تُشكّل امتداداً حقيقياً لما ينبغي أنْ تكون عليه علاقة الجوار. فمنذ عودة المغرب إلى إفريقيا، عمل من جهته على التفكير في السؤال الثقافي عبر دعم مهرجانات تحمل صبغة إفريقية، سواء في مجال الآداب أو الفنون البصرية.
لذلك يحبل المغرب اليوم بالعديد من المهرجانات التي تجعل من الرأسمال الرمزيّ الإفريقي أفقاً للتفكير والاحتفاء بالمخرجين والفنانين والموسيقيين والأدباء وغيرهم، ايماناً من المؤسسات الثقافية بقوّة ورمزية الاهتمام بالإنتاج الثقافي الإفريقي، لأنّه يضعنا مباشرة أمام الشرط التاريخي وأهميته ومدى تأثيره في الراهن الدبلوماسي.



