وتأتي قيمة هذه المحاضرة في كونها تُسلّط تُقدّم وعياً أصيلاً بالمعرفة السينمائية، ذلك أنّه من النادر العثور على كتابات تُفكّر في السينما من وجهة نظر أنثروبولوجية تسعى إلى اخضاع العملية السينمائية إل تفكير أنثروبولوجي في وقتٍ لا نعثر فيه على هذا النّمط من التفكير في السينما مقارنة بأنماط أخرى من التفكير. كما أنّ إعادة التفكير النادي السينمائي اليوم يدفعنا إلى طرح الأسئلة حول هذا الفضاء الذي لعب دوراً كبيراً في تاريخ السينما المغربية، لأنّه فضاء كان سباقاً إلى عرض الأفلام وخلق نقاش نقدي حقيقي حولها في العديد من المدن المغربية، خاصّة وأنّ النادي كان بالنسبة للعديد من الأجيال بمثابة مدرسة حقيقية لتعلّم مبادئ التفكير في السينما وفهم تحوّلاتها وراهنها وخلق بيئة نقدية تخرج من الأساليب الشفوية وتنغمس بوقّة في عالم الكتابة النقدية ومفاهيمها.
وسيحرص صاحب « البعيد والقريب » في هذه المحاضرة على وضع أسس علمية للتفكير الأنثروبولوجي للسينما، لا باعتبارها وسيطاً بصرياً وإنّما ممارسة اجتماعية لها خصائصها ومميزاتها التي تجعلها ممارسة تستحق التفكير والدراسة. وإذا تأملنا المسار الذي قطعه النقد السينمائي لن نعثر على كتابات ذات بعد معرفي ينطلق من العلوم الإنسانية والاجتماعية بهدف تشريح الظاهرة السينمائية بصفة عامّة. وبالتالي، فإنّ محاضرات من هذا القبيل تساهم لا محالة في تقديم فهم مغاير للسينما المغربية ويجعلها فناً أصيلاً له القرة على إنتاج المعرفة وليس مجرّد وسيط ترفيهي.