تتميّز تجربة حورية الخمليشي بقدرتها على الكتابة بشكل مزدوج، بين الكتابة الشعرية ونظيرتها النقدية. وهي سمة جمالية لا تتوفّر في الكثير من الشعراء المغاربة. فبين مرحلة وأخرى تعمل الخمليشي على كتابة دواوين شعرية بها تتأمّل الواقع وتُعيد عبره نسج علاقة قوية قوامها التفكير والتأمّل. إذْ تبدو كتابات الخمليشي الشعريّة وكأنّها ضربٌ من البياض الذي يعكّر صفو اللغة. إنها عبارة عن كتابة بيضاء لا تقول شيئاً، بقدر ما القارئ يُعيد نسج أدبيات القصيدة في ذهنيته ويعمل من خلالها على بناء المعنى. هذا النوع من الكتابة في تجربة الخمليشي تحدّث عنه المفكّر الفرنسي رولان بارت وهو ما نجد بالضبط في كتابات مالارمي ورامبو وغيرهم.
تعيش الخمليشي في ذاتها نوعاً من التعدّد الأدبي الذي يجعلها تمزج في سيرتها بين الشعر والنقد. فالنقد عندها ليس كتابة استيهامية كتطويعٍ للتجربة الشعرية والتي يحلو للأدباء تسميتها بالقراءة العاشقة. بل يأخذ النقد عندها وظيفة فكرية بها تُعيد طرح القضايا وتأمّل الإشكالات. بهذا المعنى يجد القارئ نفسه أمام نقدٍ عالم لا يرهن نفسه بالأهواء والآراء، بل بالنظريات والمفاهيم التي تدفع التفكير النقدي إلى تجاوز الحدود. ففي كل كتاب لها ترسم الخمليشي أفقاً نقدياً جديداً للقصيدة عبر مراحل متعدّدة من تاريخها. فكتبها لا تكتفي بالقراءات العابرة، وإنما تُقيم في السياقات التاريخية التي مرّت منها القصيدة العربيّة في أفق تشكلها وتبرعمها في ذهنية القارئ.




