يُعتبر سعد الشرايبي من رواد السينما في المغرب. ذلك إنّ تجربته تميّزت بإبدالاتٍ هامّة استطاع من خلالها الشرايبي أنْ يكون دائم الحضور داخل مشهدٍ سينمائي تقليدي، ما يزال يتهجّى مبادئ الحداثة البصريّة تجاه الواقع. وحرص صاحب « الميمات الثلاث » الاشتغال على أفلامٍ بالإضافة إلى قيمتها الفنية والجمالية، فإنّها تُضمر أبعاداً سياسيّة تُظهر حجم الالتزام الذي يطبع سيرة الشرايبي تجاه السينما والثقافة بشكل عام.
وتقترح أفلام الشرايبي طريقة مغايرة في التعامل مع الواقع، ذلك إنّها تُعرّي الواقع وتكشف عن خيباته وأهواله. فالسينما لديه تنطلق من فكرة الالتزام بقضايا المجتمع وإشكالاته، وإذا تتبعنا المسار الفكري الذي مرّت منه أفلامه سنجد أنّ أغلب الموضوعات التي تمّ الاشتغال عليها في عددٍ من أفلامه لها علاقة بالمجتمع المغربي وتحوّلاتها. إنّ الفيلم هنا يغدو وثيقة بصريّة تُوثّق سيرة هذه التحولات في علاقتها بالفرد من خلال قصصٍ وحكايات.
جاء هذا الاختيار وعياً من اللجنة بقيمة المخرج وأهمية « صمت الكمنجات » في طرقه لموضوع صراع الأجيال داخل الموسيقى. ويرى صاحب « نساء.. ونساء » في حوار سابق له مع le360 بأنّ هذا الفيلم، سيكون مُختلفاً بشكلٍ كامل عن الأفلام التي تعودنا عن مُشاهدتها مع الشرايبي. فهو فيلم فنّي في موضوعه يهدف من خلال معالجته إلى رصد هذا التباين بين الموسيقى التراثية والآلة الموسيقية الغربية، وذلك وفق طريقة سينمائية الصورة عبارة عن مختبر إشكالي. فألام الشرايبي ليس ترفيهية بقدر ما تنحت لها أفقاً سينمائياً مغايراً عن طريق طرح أسئلة قويّة تتّصل بالواقع المغربي، وتحاول في نفس الوقت التعلّق بتاريخه وذاكرته. هذا الافتتان بالواقع هو الذي يقود صاحب « عطش » إلى البحث عن موضوعات جديدة تتآلف مع بيئته ومجتمعه وتسعى جاهدة إلى الحفر في بنيته وأنسجته.




