حاولت صاحبة « الشعر المنثور والتحديث الشعري » أنْ تُكسّر الحدود بين الأجناس الأدبيّة، باعتمادها على جنس فني يزيد الصفحة بهاءً وجمالاً. واختارت الخمليشي أنْ تكون رسوماتها بمثابة وسيطٍ فني يخترق جسد القصيدة ويفتحها على منافذ ضوءٍ آسر بالنسبة للقارئ. ويأتي هذا التماهي بين الشعر والرسم، وعياً منها كباحثة وناقدة بأهمية هذه العلاقة وما تمنحه من آفاقِ جماليّة بالنسبة للنصّ الشعري. خاصّة وأنّه داخل الثقافة المغربية، لا نعثر على هذا العناق البصري بين الشعري والفني، إلاّ في تجارب معدودة، كما هو الحال عند حسن نجمي مع محمّد القاسمي وعبد الله زريقة مع عباس الصلادي ورشيد قريشي. وهي تجارب شعرية فنية خلقت نوعاً من التوازي بين خطية القصيدة ورحابة اللوحة بكل ألقها وغنجها في القبض عن شعريّة النصّ.
تقول حورية الخمليش لـ le360 بأنّ كتابها هذا « هو كتاب شعري فنّي متجاور بين الشعر والرسم، ومتواشج بين الأبيض الأسود، مجموعة نصوص شعريّة مُرفقة بلوحات فنّيّة في انتظار أن يصدر الكتاب الفني الآخر. هي نصوص كنت قد كتبتها في مراحل مختلفة ونُشر بعضها في مجلات وجرائد مختلفة. إنّها نصوص تنتمي إلى جنس الكتابة المتجاوِز للحدود الأجناسيّ. نصوص في اللانهائي وكتابة بلوْن الماء، أو بالأحرى مغامرة كتابة نصوص على مجرى متدفّق من المياه لترسلها إلى مناطق مجهولة ولامحدودة ».
وترى صاحبة كتاب « الشعر وأنسنة العالم » أنّ هذا السبب « جعلني اعشق الكتابة على الماء. فهي، كما يقول عنها الشاعر والناقد العراقي حاتم الصكر الذي وضع مقدّمة للكتاب هي كتابة حرّة- كتابة بيضاء. تبتغي اللانهائي هدفاً. فهي نصوص تتماهى بوجود الماء وتتموْضع على صفحته، لكنها ترسم حدودها خارجه، وتصنع ماءها ودلالاتها وإيقاعاتها على شواطئه، وفوق صخب موجه المتغيّر دون توقّف ».
وعن سؤال الأسباب التي جعلت أكاديمية وناقدة وشاعرة تطرق باب الرسم، تقول الخمليشي « لعلّه عشقي للشعر منذ الطفولة. كتبت العديد من القصائد لكني كنت أهاب نشرها، لأنّ الشعر بالنسبة لي معجزة. والإعجاز لا يخص النص الديني فقط. فهناك أعمال شعريّة كبرى معجزة. لطلك كتبت عن شاهنامة الفردوسي وإلياذة هوميروس وجنة دانتي وغيرها. وهذا العشق تحوّل إلى الكتابة عن الشعر. فكتبت العديد من الدراسات التي تهتمّ بالشعر عل المستوى المعرفي والأكاديمي، وتبنيت الاشتغال على مشروع شعريّة الانفتاح في الشعر العربي الحديث منذ صدور كتابي « الشعر المنثور والتحديث الشعري » عام 2006. ».
من ثمّ، ترى بأنّ « الشعر المنثور بالنسبة لي رؤية شعريّة جديدة منفتحة على الأجناس الشعريّة وعلى شعريّات العالم. وقد أثار العديد من الانتقادات لأنه جنس شعري بديل أثار إشكاليّة المفهوم والمصطلح. فكانت هذه الدراسة أوّل دراسة في العالم العربي حاولت وضع إطار نظري حول هذا الشعر وتحديد مفهومه وأبعاده إبّان حركة التحديث الشعري لتتوالى بعد ذلك مجموعة من الإصدارات تصبّ فذا الإطار المنفتح للشعر على المعارف الإنسانيّة وعلى الفنون منها كتاب « الكتابة والأجناس » وكتاب « الشعر وأنسنة العالم » وكتاب « تواشجات الشعري والفني، في الشعر العربي الحديث » وغيرها ».
تُضيف قائلة « اهتمامي مع الرسم بدأ مع القصيدة وموسيقاها وفنّيّتها ومع صوَرها الشعريّة الخلاّقة التي تحتاج إلى عيْن رائيّة. فتوَلّدت لديّ هذه الرغبة في الرسم، لكني كنت أرسم لنفسي ولا أنشر ما أرسم. وزاد هذا الاهتمام بتشجيع من أدونيس. فقد أهديته مرّة في باريس لوحة من قماش وخيوط حرير مستوحاة من قصيدته، فشجّعني على الرسم. هكذا تورّطت في الرسم، لكنه توريطٌ جميل. الاشتغال عن تواشج الشعري والفني يقتضي معرفة فنّيّة أيضاً. فخصّصت سنتيْن للقراءة ودراسة الفن. وأُغريت بعوالمه المذهلة. هكذا بدأ اهتمامي أيضاً بالكتب الفنيّة مع فنّانين وشعراء. وقد صدر لي كتاب « نهر الهواء » مع الفنان وليد رشيد القيسي وأشتغل أيضاً على رقائم أدونيس وكتب فنّيّة أخرى مع مجموعة من الفنانين منهم الفنانة المغربيّة أحلام لمسفر.