ويأتي الكتاب من الناحية التاريخية حسب بيان الكتاب بعدما « أدركَ المسلمون في لحظات فارقة من القرون الوسطى، حلقةً ملغزة من تاريخ الفلسفة والفكر تضاربت حولها آراء المؤرخين، إذ مثّلت أروع صور التلاقح الفكري بين الحضارات البشرية، وأثبتت أن الفكر ليس حكرًا على أمَّة أو شعب مخصوصَين، بل هو صرحٌ يتسامق بما تضيف إليه الأمم من لَبِنات، في جوّ من الحوار وقبول الآخر، ولذلك عمد المجتمع الإسلامي إلى توفير جوٍّ من التسامح، كان فيه اليهود والنصارى والمسلمون، يتكلمون لغةً واحدة، وينشدون الأشعار ذاتها، ويدرسون المباحث الأدبية والعلمية نفسها، ما خدَمَ العلم وسهَّل فشُوَّه بعد أن أصبح متحررًا من أيّ تمييز ».
ويعتبر الباحث أنّه قد « ساح باحثون في مناحي ابن ميمون الفكرية بعمق، إلا أن جهود معظمهم كانت تنصبّ على دراسة الرجل ضمن بوتقة التراث الفكري الإسلامي حصرًا وإغفال بقية أنواع التراث المصاحِبة، ما جعل الإحاطة به بعيدة التحقق، إذ إن تاريخ أيّ بحث نظري في القرون الوسطى لا يكتمل إذا لم توضع في الاعتبار مساهمةُ الفلسفتين العربية - الإسلامية واللاتينية والدراسات اليهودية فيه، وبناءً عليه، فإن الكتاب يتعقَّب فكرًا يهوديًّا هو إرث فلسفي أخلاقي خلَّفه أحد ممثلي العقلانية الأساسيين في أبناء جلدته، إرث نستقرئ بصعوبة بالغة تحولات معانيه في نصوص فلاسفة مسلمين متنوّرين جمعوا بين المصادر النقلية والقواعد العقلية، إمّا تقيةً وإما اقتناعًا بعقم العقل الذي يتنكر للنقل، والنقل الذي يبتعد عن مجهر العقل ».
لهذا كان الدافع الأوّل من وراء تأليف « الكتاب « نبش » فكر ابن ميمون وإثارته مجددًا هو ألّا يطويه النسيان، وملء فراغٍ خلَّفه صمت الباحثين العرب عن فلسفته الأخلاقية وارتباطها بالمباحث الأخلاقية لفلاسفة الإسلام. أما الدافع الثاني فشرح ما استُغلق من فكره وتحليله؛ لأجل تسهيل فهمه على القارئ. والدافع الثالث هو بيان التماثل والمغايرة بين صميم فكر ابن ميمون وإبداعه وفكر فلاسفة الإسلام الآخرين ».