ويعتبر حسن بنجلون من أشهر المخرجين المغاربة الذين راكموا متناً سينمائياً مختلفاً، بما تضمنته أفلامه من تجديد على مُستوى الصورة وطرق اشتباكها مع الواقع المغربي وذاكرته. ولم يكُن بنجلون من الذين تأثروا بالسينما التجارية، بحكم أنّ أفلامه ظلّت تنطلق دوماً من واقع معطّل أو مفهوم فكري أو قضية إنسانية. وفي هذا الأمر، ما يستحقّ النظّر والتأمّل والتفكير في عشرات الموضوعات اشتغل عليها منذ فيلمه الأوّل "عرس الآخرين". ومع كلّ فيلمٍ يُخرجه بن جلون تتكشف لديه تلك الرغبة الآسرة في اقتحام مواطن جديدة من الواقع المغربي.
هذا ويحكي فيلمه الجديد "حبيبة" قصة بين أستاذ للموسيقى وطالبته التي شاءت الأقدار أن تفقد السكن والعمل، بعدما تم إغلاق جميع المرافق الحيوية العامة. فقد أشادت اللجنة بنصّ الفيلم وجمالياته على مُستوى الكتابة. خاصة وأفلام الفيلم عرض ضمن مهرجان خاصّ بالسينما الفرنكفونية، بما جعله يُنافس أفلاماً كثيرة من حوض البحر الأبيض المتوسّط التي تُعد الفرنسيّة لغة ثانية لها. وتأتي أهمية مثل هذه المهرجانات كم كونها تجعل المنتوج السينمائي المحلي يصطدم بتجربة السينما الفرنسية العتيدة مع إمكانات تحقيق مثاقفة فنية بين البلدان ذات النفس الفرنكفوني في سياستها وثقافتها.
وتبقى أشهر أفلام حسن بنجلون تلك التي اشتغلت على موضوعات تتعلّق بالذاكرة، كما هو الحال مع فيلمه "الغرفة السوداء"(2004) التي أعاد من خلال النبش في تجربة الاعتقال السياسي، وفق حكايةٍ تستعيد علاقة الجسد بالسجن، وما تفرضه معاناة وآلام على الفرد. وبغضّ النظر عن الفيلم ودلالاته السياسيّة، تعامل حسن بن جلون بنوعٍ من الموضوعية التي جعلت الفيلم يطرق باب التخييل أكثر من التوثيق، بحكم ما يُضمره من حساسية ليس فقط تجاه السلطة، ولكنْ في حقّ جميع المناضلين بسبب اختلاف رؤاهم وتباين مرجعيتهم الإيديولوجية التي تجعل كلّ واحد منهم ينطلق من تجربة خاصة في الاعتقال.