وتطرق صاحب كاتب "السلطان مولاي الحسن الأوّل والسيادة المغربيّة على الأقاليم الجنوبية" منذ بداية محاضرته للغياب المهول لموضوع الصحراء داخل الجامعات المغربيّة، مُعتبراً أنّ طبيعة المرحلة التي نعيشها تفرض الاهتمام بقضية الصحراء من الجانب المعرفي، من أجل توضيحها للأجيال الجديدة وحثّهم على معرفة تاريخها وذاكرتها وما تُمثّله بالنسبة للمغاربة. لذلك قام الباحث بلحداد بفتح قناة "مفاتيح تاريخيّة" على اليوتيوب، يُقدّم فيها دروساً ويكشف من خلالها الكثير من الأحداث التاريخيّة وغموضها، ويُبرز حدّة بعض القضايا السياسيّة المُرتبطة بالصحراء.
وصرّح الباحث بضرورة القيام بمثل هذه المحاضرات والندوات من أجل تسليط ضوءٍ كبير على القضية وفهم أسسها وراهنها وما تفرضه على الباحث في التاريخ من بحثٍ وتنقيبٍ عن الوثائق التاريخيّة وإعادة قراءتها على ضوء مناهج معاصرة من شأنها تأكيد سيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية.
ولم يحظ موضوع الصحراء المغربيّة، بما يستحقّه من عناية واهتمام داخل الجامعات المغربيّة، رغم مجهودات كبيرة عددٍ من الباحثين الذين كتبوا مؤلفات عديدة في الموضوع تستحق أن تناقش بعمق وتستشرف طبيعة العلاقات بين المغرب وإفريقيا، خاصّة وأنّ للمغاربة تاريخٌ قويّ لا يُستهان به، فهو في نظر نور الدين بلحداد تيجان الواقع والرأسمال الحقيقي للبلد للدفاع عن وحدته الترابية.
ويأتي سياق المحاضرة من الناحية العلمية، على خلفية مُساهمة المُؤرّخ فيما يعرفه المغرب من تحوّلاتٍ دبلوماسية وجيوسياسيّة تستدعي انخراطه الكامل في الدفاع عم قضية الصحراء والبحث بشكلٍ أقوى عن الوثائق التاريخية التي تُؤكّد زعامة المغرب ودوره الدبلوماسي الفعّال منذ فتراتٍ تاريخيّة قديمة. فقد أشاد بلحداد بالسلطان سيدي محمّد بن عبد الله (محمّد الثالث) الذي كان أوّل من اعترف باستقلال أميركا، بعدما طلب الرئيس جورج واشنطن من السلطان مُساعدته من أجل القضاء على القرصنة والتوسّط له لدى كلّ من باي تونس وباشا طرابلس.
ويُفسّر نور الدين بلحداد بأنّ اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، ينبع بالأساس من السياق التاريخيّ للبلدين، وممّا عاينوه تاريخياً من قوّة كبيرة في تدبير المغرب لعلاقاته الدولية. لهذا يعمد الباحث إلى الوثيقة التاريخيّة باعتبارها آلية لإدانة الواقع الجزائري، وما يحبل به غموضٍ ومآزق وتصدّعات. فكلّ مرة يُطالعنا الباحث بوثيقة تاريخيّة تُؤكّد ريادة البلد في تدبير علاقاته الدولية من الناحية التاريخيّة. رغم أنّ نور الدين بلحداد يُشدّد على أنّ هذه المعلومات ينبغي على الأجيال الجديد أنْ تعرض، بما فيها الجهاز الدبلوماسي المغربي الذي ينبغي التسلّح بهذه المعرفة التاريخيّة التي تُوضّح مسار القضية وسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية منذ القدم.
وقدّم بلحداد في محاضرته طريقة جديدة في التعامل مع مسألة العلاقات الدبلوماسية وإلى أيّ حد يستطيع التاريخ أنْ يخدمها ويكون مُكوّناً أساسياً في نسيح الجهاز الدبلوماسي، لما يتمتّع به المؤرخ من فطنة في فهم الأحداث الراهنة والحفر تاريخياً عن جذورها، انطلاقاً من ركام الوثائق التاريخيّة الموجودة هنا وهناك حول الصحراء المغربيّة.



