أشرف الحساني: منال بنشليخة.. أغنيةٌ واحدة لا تكفي!

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي . DR

في 04/08/2022 على الساعة 16:00

في سنواتٍ قليلة جداً، حقّقت المُغنّية المغربيّة الشابة منال بنشليخة ذي الـ28 ربيعا ما قد يحلم به أيّ مُغنٍ مغربيّ واعدٍ، لا سيما أمام سطوة وسائل التواصل الاجتماعي وما غدت تفرضه من سُلطة برانية على أذن المُستمع.

لذلك فهي تجعله دوماً مُحاطاً بملايين المُشاركات واللايكات والتعليقات، فتجعله أسيراً لها، ولما تقترحه عليه من صُوَرٍ وفيديو كليبات وموسيقى وأغانٍ، قبل أنْ يهُمّ بالاستماع لها، لأنّ التأثير الجماهيري يكون قوياً، ودائماً ما يسحر عقل المُستمع ويتحكّم في مُخيّلته، فيُؤثّر تلقائياً على وجدانه وذوقه الفنّي. ليس من السهل أنْ تُحقّق منال بنشليخة كلّ هذه النجاحات المُبهرة في زمن يزداد فيه الغناء المغربيّ غربة وتكثر فيه التجارب الغنائية بطريقةٍ هستيرية، تجعلنا نعتقد أنّ الغناء أضحى حظوة اجتماعية يتمتّع بها الفنّانون، رغم ما يكتنف العملية الإبداعية من معاناة وآلامٍ ومخاضات، لا يعرفها إلاّ الفنّان الحقيقي الذي يُخابر مرارة الإبداع والابتكار والبحث عن أشكالٍ غنائية جديدة غير مُكرّرة، تنقل المُستمع المغربيّ إلى عوالم أخرى غير مألوفة بالنّظر إلى تاريخه الموسيقيّ.

لن ندّعي بداية، أنّ ما جاءت به منال بنشليخة، يُعدّ فتحاً جمالياً في الغناء المغربيّ، لكنّي مُتأكّد من توفّر الفنّانة الشابّة على رؤيةٍ فنّية مغايرة، سواء على مُستوى التأليف، حيث تعمل في أغانيها على مزج كلماتٍ شعبيّة تتّصل بلغة المحكي اليوميّ وبين لسانٍ فرنسيّ مُزدوجٍ، يجعلانها تستقطب بسهولة أكبر شرائح مختلفة من الاجتماع المغربيّ أو حتّى على المُستوى البصري للكليب، حيث تتعمّد بنشليخة في كلّ أغنيةٍ جديدةٍ، على استعراض رفقة طاقمها الإخراجي مُؤهّلاتهم الجماليّة، رغم كثرة الإكليشيه البصريّ، لكنّهم على الأقلّ، يمنحون للمُشاهد مادّة تصويرية مُتنوّعة تتوزّع بين الأصالة والمعاصرة.

هذا وتجدر الإشارة أنّ صاحبة "أنت" تمزج في سيرتها الفنّية، بين التأليف والغناء والعزف، وهذا أمرٌ نادرٌ بالنّظر إلى سنها داخل تجارب غنائية جديدة، لا تتوفّر أحياناً على أدنى الشروط الفنّية، فبالأحرى أنْ تُوازي بين الكتابة والغناء. لكنّ هذا التعدّد الفنّي الذي تعيشه بنشليخة في جسدها، لا تجعله أسيراً لهواجسها ولا حظوة اجتماعية أو حتّى ترفاً فنياً، بقدر ما تُحوّله إلى طاقة إبداعية قويّة تخترق بها حدود الجسد وسياجات الأشكال الموسيقيّة إلى فضاءٍ غنائيّ مُتحرّر، يجد سنده الفنّي وملامحه الجماليّة في التراث المغربيّ وذاكرته.

وإذا كانت مُجمل كليبات منال بنشيخة تُسخّر نفساً بصرياً كيْ تغدو لسناً للتراث المغربيّ، فإنّ ذلك يُعطيها صفة مُميّزة ويجعل أسلوبها الغنائي يتمازج موسيقياً وبصرياً. وإذْ نجد عدد من الفنّانين قد سبق لهم الاشتغال على براديغم التراث، سواء كمُمارسةٍ غنائيةٍ أو توليفٍ موسيقيّ، إلاّ أنّ اجتهادات بنشليخة تبدو واضحة ولو بشكلٍ خفيف، لكنّها على الأقلّ، لم تسقط في فخّ التنميط الغربيّ على مُستوى التأليف والمادّة البصريّة أو حتّى إعادة أشكال ونماذج الأغنية المشرقية.

تنطلق أغاني بنشليخة من قصصٍ رومانسية، تبدو شخصيّة، تبدو في طابعها الكلّي وملامحها الخارجية قريبة من وجدان الأجيال الجديدة. فلا شكّ أنّ المُستمع إلى بعضٍ من ريبرطوارها الغنائي، سيتلمّس أنّها أغانٍ شبابية بميسمٍ شعبيّ، إذْ تنهل شرعية وجودها من الواقع اليومي وما يروج فيه من قصصٍ وحكاياتٍ. ففي أغنيتها الجديدة "مخلاو مكالو"(2022) تستوحي بنشليخة موضوعها من العرس المغربيّ، باعتباره لحظة فرحٍ في حياة الإنسان، حيث تنقل لنا من خلال صُوَر الكليب طقوس العرس ولحظات الفرح والغناء والرقص، وهذا النّمط نجده غالباً في كليبات منال بنشليخة، إذْ تتعمّد دوماً نقلنا إلى لحظات الفرح، إمّا وعياً منها بأهمية هذا الموروث المغربيّ الذي تُحاول رفقة المخرج والاشتغال عليه جمالياً وبصرياً أو أنّها تتعمّد ذلك، حتّى يتماشى ذلك مع طبيعة أغانيها وما تقترحه من كلمات.

كسّرت صاحبة "نيّة" الصورة المركزيّة التي ينطبع بها فنّ الغناء، إذْ نعثر اليوم على تجارب غنائيةٍ تتجاوز بسنوات ضوئية تجارب قديمة في الغناء الشعبي أو الراي، من حيث عدد مُشاهدات الكليبات ومُتابعة أخبار النجوم، ما يُفسّر سقوط "المُغنّي الأسطورة" الذي لا يقربه الناس ولا يرونه في الحياة اليوميّة، إلاّ من خلال سهراتٍ مُصطنعةٍ أو إكليشيهاتٍ بصريّة مُرتبكةٍ داخل أفلامٍ ومسلسلات وبرامج وإشهارات.

لقد استفادت بنشليخة وبقوّة من السوشيال ميديا، وجعلتها مُختبراً فنياً للفت الانتباه إلى تجربتها الغنائية واشتغالاتها الموسيقيّة، بما جعلها تحضر وبشكلٍ يوميّ في مُخيّلة الناس ومشاغلهم اليوميّة. تتميّز صاحبة أغنية "مخلاو مكالو" بشهرةِ شعبيّة داخل الجيل الجديد، رغم أنّ الكثير منهم، يعتبرون أغانيها لا تخرج عن النفس الترفيهي الذي يجعلها تُستهلك وتُنسى كأنّها لم تكُن يوماً، مُتناسين أنّ الهاجس الترفيهي غدا يُشكّل أساس الصناعة الغنائية المعاصرة ومطلباً حيوياً في استمرارها، بل العمود الفقري الذي تُشيّد عليه المؤسّسات الإنتاجية، لكنْ مع ضرورة التخفيف من حدّته، حتّى لا تغدو كلمات الأغنية مُرتبكةٍ ويُلخّص الجهد الموسيقيّ في الموسيقى الإلكترونية، التي تُعوضّ مجهود الفنّان، فتُصبح شهرة هذا الأخير رهينة بهذا النّمط الموسيقيّ المعاصر.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 04/08/2022 على الساعة 16:00