والحقيقة أنّ السحر الذي مارسته كتابات عمر أمرير على الثقافة المغربية، لا يجد أساسه من حيث السبق التاريخي للباحث في علاقته البحثية بمجال الأدب الأمازيغي المعاصر منذ حصوله على الإجازة خلال السبعينيات من جامعة فاس، بل بسبب الجدّة المعرفية التي تُميّز مُؤلّفاته وقُدرته على المزج في سيرته العلمية بين الإعلام والتاريخ والثقافة والأدب، فجاءت كتاباته بانورامية الشكل، بحيث لا تنفصل عناوينها وموضوعاتها عن الثقافة الأمازيغية لتُتوّج عمر أمرير، كأحد أعلام هذه الثقافة وأكثر الباحثين غزارة في مجال التأليف الأمازيغي باللغة العربيّة.
لذلك تتخذ مجمل كتابات أمرير طابعاً تاريخياً وثقافياً، فهي تلقائية من حيث تعاملها مع بعض قضايا الشعر الأمازيغي، لكنّها تظلّ هامّة من زاويتها المونوغرافية وتتميّز بقوّتها النقدية من ناحية تشخيص موضوعاتها وغزارة المعلومات المتوفّرة فيها.
© Copyright : DR
وعلى خلفية مؤلّفاته العزيرة والمتنوعة، نظّمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق ـ الدارالبيضاء بمدرج أبي شعيب الدكالي صباح يوم 24 ماي 2022 ندوة معرفية في موضوع "الأمازيغية: قضايا أدبية ولسانية" من طرف مسلك الدراسات الأمازيغية، وذلك على شكل تكريم خاصّ بالباحث عمر أمرير وبمُشاركة جملة من الباحثين المغاربة الذين قاموا بقراءة ودراسة ومُقارنة العديد من مؤلّفاته الثقافية الغنية حول الأدب الأمازيغي.
© Copyright : DR
وقد تم تقسيم الندوة إلى جلستين، حيث تم تخصيص الكلمة الافتتاحية للدكتور رشيد سليماني، منسق شعبة الدراسات الأمازيغية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، حيث قدّم الأستاذ عمر أمرير وأسهم في تبيان سيرته الذاتية بقوله "ولد عمر أمرير سنة 1949 في الأطلس الكبير بتارودانت. وفي سنة 1954 انتقل إلى مدينة الدارالبيضاء حيث تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي، ثم في سنة 1967 انتقل إلى متابعة تعليمه الثانوي بين مراكش وتارودانت، ثم الجامعي بفاس سنة 1969. وبعد أربع سنوات دشن مشروعه العلمي في الثقافة المغربيّة بحصوله على الإجازة تحت إشراف الدكتور عباس الجيراري بأوّل في بحثٍ في الجامعة المغربيّة خاصّ بالأدب الأمازيغي بعنوان "المقاومة في الشعر الأمازيغي". أمّا سنة 1975 فقد بدأ يُشرف على برنامجٍ إذاعي تلفزي بعنوان "كنوز" كأشهر البرامج في تاريخ التلفزة المغربيّة.
"وفي سنة 1985 فقد حصل على دبلوم الدراسات العليا من جامعة محمّد الخامس بالرباط في دراسة حول الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب. أما خلال سنة 1988 فقد نال درجة دكتوراه الدولة في الأدب من جامعة محمّد الخامس حول رموز الشعر الأمازيغي".
© Copyright : DR
أما كلمة عميد الكلية، فإنّها بدأت بكلمة شكر إلى الأستاذة بمسلك الدراسات الأمازيغية قائلاً: "كان تحديا أكبر بالنسبة لنا حين فتحنا هذا المسلك".
ولم يفت العميد أنْ يحيي هنا "معهد الثقافة الأمازيغية وعلى رأسه السيد العميد أحمد بوكوس الذي يُواكب معنا في إطار الشراكة بمعية كل المكوّنات والأطر الإدارية والتقنية والتربوية للمعهد. حيث توصلنا مؤخراً بمجموعة من الكتب. لذلك فإنّ ما نطمح إليه في هذا المسلك، هو تحويله إلى شعبةٍ حيث ستكون حاضنة لمختبرات الماستر والدكتوراه.
وأضاف أن "هذا المسلك له مكانة متميّزة بحكم أنّه يتواجد في العاصمة الاقتصادية للمملكة. وقد قُمنا الأسبوع الماضي مع السيّد الوزير الأستاذ عبد اللطيف الميراوي في إطار الملتقيات الجهوية من أجل تنزيل ما يُسمّى بالنموذج الجماعي الجديد. لأن الأمازيغية كما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله بأنّ الأمازيغية لغتنا جميعاً وثقافتنا جميعاً ونعتز بها لا من ناحية حماية التراث الغير المادي والمادي فقد بل في الابتكار أيضاً".
وجاء تدخل عمر أمرير، بشكل موجز ودقيق، بقوله: "في الواقع أجد نفسي أمام الكثير من الأبواب والمنافذ التي تفرض علي الحديث، لذلك حتى لا أضيع، فإنّي أصارحكم بأنّي عانيت من هذه اللحظة حين بدأت الكتابة، فما إن أبدأ نقطة حتّى تأتيني الأخرى فتجُبّ التي بعدها. لأنّ دعوتي وحضوري وتكريمي في هذه الكلية بالنسبة لي ليست شيئاً عادياً على الإطلاق. من ثمّ، فأنا أشكر السيد العميد على ما أكّده من حبّ ومودة واحترام لشخصي انطلاقاً من تقديري ليس لذاتي بل لأعمالي والشهادات التي تلقيتها وتُسعدني وتُشعرني بأنّني لم أضيع عمري في مجال البحث العلمي".
© Copyright : DR
هذا وقد أكّد عمر أمرير بأنّ هذه المقدّمة "لم تكُن بروتوكولا أو مجاملة أو لغة خشب، بل إنّي في سنة 2022 وورائي عالم يتحرّك ويُحفّزني للحديث بدءا لكوني في سنة 1968 ـ 1969 وأنا طالب في تارودانت قرّرت أنْ أنتقل إلى الدارالبيضاء رفقة الصديق إبراهيم آيت منصور، فقدمنا ملفاتنا هنا لكي ندرس هنا بمدرسة المعلمين. ولكنْ لما حصلنا على الباكالوريا عُدنا وأخذنا ملفاتنا وذهبنا إلى فاس وتسجّلنا في كلية الآداب. وبعد حصولي على دبلوم الدراسات العليا في الشعر الأمازيغي. وقبل سنتين من ذلك التاريخ، أتذكر أنّ العميد آنذاك أخبرني بأنّنا نُفكّر بتدريس الأمازيغية مستقبلاً. وبعد حصولي على الدكتوراه ترشحت للتدريس في الكلية، ولكن فوجئت بأنّ بحثي غير منسجم لإمكانية قبولي بسبب بحثي حول الشعر الأمازيغي، لأنّ المطلوب كان الشعر العربي وتخصّصاته وآدابه.
وأضاف: "هذه العناصر نظرت إليها من زاوية أخرى تتعلّق بتاريخ المغرب وحضارته والوجود المغربي ككلّ. لذلك فأنا سعيد إلى حدود أقصى السعادة، فحين أنظر إلى تاريخ المغرب وإلى التجارب والأحداث الكبرى أجد أنّ كل شيءٍ عشناه رغم ما يشوبه من كوارث ومآسي، ولكنّه يدلّ على أنّنا في الاتجاه الصحيح. والدليل أنّني في زمنٍ كنت فيه أريد أنْ أنقذ فيه نفسي بالدخول إلى التعليم الابتدائي، فإذا بي ألج دبلوم الدراسات العليا وطموحي أنْ أكون أستاذاً هنا فرُفضت، لكنّي عُدت اليوم مُكرّماً إلى هنا أمام صفوة من أستاذة اللغة الأمازيغية وعلى رأسهم عميد يمتاز بوعي كبير في معرفة التاريخ الوطني واللغات الوطنية والذهنية المغربيّة والشعور بالمسؤولية، أليس هذا دليل من شخصي المتواضع على أنّني أنتمي إلى وطنٍ كبير متجذر في التاريخ ومُتطوّر بحكمة ورزانة وتفوّق".
أما الجلسة الثانية، فقد خصّصت إلى مقاربات العديد من الباحثين المغاربة حلو بعض قضايا وإشكالات وتجلّيات الثقافة الأمازيغية، على خلفية مؤلّفات الباحث عمر أمرير الثقافيّة، بحيث جاءت المداخلة الأولى للأستاذ الباحث فؤاد ساعة، تناول فيها "أثر الأمازيغية في دارجة الدار البيضاء"، والثانية للباحث حسن بوتكى التي عالج فيها موضوع "الترجمة الأدبيّة من الإسبانية إلى الأمازيغية"، وطرق الصعوبات التي تعترض سير وتقدم هذه العملية، في مقابل الثالثة للأستاذ الباحث جواد الزروقي، الذي قدّم "قراءة في ديداكتيكية النكتة الواردة في الكتاب المدرسي Tifawin a Tamazirt.
أما المداخلة الرابعة، فكانت أشبه بعودة الدكتور رشيد سليماني حول مدى "اشتغال الرمز والأسطورة في الإبداع الأمازيغي"، ومكانة هذه العناصر الفنّية في صناعة الأفق الإبداعي. لتأتي المداخلة الخامسة من طرف الدكتور عبد الرحمان بوفلجة، جاعلاً من "مكانة اللغة الأم في ظلّ التعددية اللغوية" مُتخّذاً من الأمازيغية نموذجاً للتفكير والدراسة في خصوصيات هذا اللغة، حيث جعل الباحث محمّد أيت همو من "الأدب الأمازيغي المغربي" مُنطلقاً لاستشكال "تحديات التأريخ وآفاق المستقبل".