بمناسبة استضافته يوم الأربعاء المقبل داخل الصالون الأدبي بمؤسّسة أبي شعيب الأزموري 2، كان لـLe360 هذا الحوار الخاصّ مع الروائي مصطفى لغتيري:
يعتبر مصطفى لغتيري أكثر الروائيين المغاربة غزارة، إن لم تكن في مقدمة المشهد على مستوى عدد رواياتك. كيف تفهم فعل الكتابة الروائية وإلى أيّ حدّ يستطيع التراكم الأدبي خلق تجربة روائية مميزة؟
لا يخفي عليك وعلى جميع المتتبعين أنّ الكم يبقى نسبياً، فالكيف هو ما يعول عليه، لكنه من ناحية اخرى أظنه ضروريا لتكريس اسم كاتب معين ولخلق حالة إبداعية معينة، فنادرا جدا وأن لم يكن من المستحيل أن يخلق كاتب ما الأثر المطلوب بإنتاج كتاب واحد.
واعتقد أن ما يشاع في هذا الصدد ليس دقيقا، بل خرافيا في شموليته وتفاصيله، فقد يشتهر كاتب ما بكتاب واحد لكن هذا لا يعني أبدا أنه كتب ذلك الكتاب بمفرده، وبصراحة أجد أكثر الكتاب تداولا وتأثيرا هم أولئك الذين أنتجوا عددا كبيرا من الكتب، بل وفي أجناس أدبية متعددة.
أما بالنسبة لي شخصيا، فقد انتجت لحد الآن أكثر من ثلاثين كتاب، أكثر من نصفها في جنس الرواية، وقد كان إنتاج كل كتاب استجابة لضرورة ملحة، وهذ الكتب في عمومها تتميز بالتنوع على مستوى الشكل والمضمون، وأتمنى أن أكون قد وفقت في المساهمة ولو بشكل بسيط في إغناء المكتبة الأدبية المغربية والعربية عموما. أما عن التميز فساترك للنقاد الكلمة الفصل في الحديث عن ذلك.
يتم استضافتك يوم الأربعاء 11 ماي بالصالون الأدبي بمؤسسة أبي شعيب الأزموري 2. ما الذي يمكن ان تقدمه هذه اللقاءات الادبية بالنسبة للتلاميذ والطلبة؟
لقد دأبت منذ مدة طويلة على الاستجابة للدعوات التي اتوصل بها للقاء التلاميذ والطلبة في المؤسسات التعليمية والثقافية، والدافع في ذلك يمكن اختزاله في سببين رئيسين، أولهما الإصغاء إلى الاجيال الجديدة والوقوف عن كتب على طريقة تفكيرها، والسبب الثاني هو التشجيع على القراءة من خلال فتح نقاش مع التلاميذ وجعلهم يقتنعون بجدوى القراءة في التكوين الذاتي للتلاميذ، لتنمية قدراتهم الفكرية وغرس القيم في نفوسهم.
وهذا مما يؤثر مستقبلا على سلوكهم داخل المجتمع بشكل إيجابي، كما ان هذه اللقاءات تتيح للتلاميذ الالتقاء بالكاتب وجها لوجه، فيحفزهم ذلك على الكتابة، لأنهم يتأكدون ان هذا الكاتب مثلهم ولا يعيش في كواكب بعيدة وأن باستطاعتهم ان يصبحوا هم كذلك كتابا.
ماذا عن فكرة الصالون الأدبي، هل تعتقد أنها مازالت تحتفظ براهنها وقوتها على مستوى التفكير في إنتاج استراتيجيات جديدة للكتابة الروائية ولقاء الأديب بجمهوره؟
فكرة الصالون الادبي فكرة متجددة، كل جيل يقتبس الفكرة ويضيف إليها تصوره الخاص، مع الحفاظ على الاسس، التي قامت عليها الفكرة اول الأمر، والمتمثلة باللقاء من أجل التداول في الادب والفكر عموما، بعيدا عن الاجواء المعروفة في قاعات المحاضرات وفي الجامعات او قاعة الدرس، إنها فكرة راقية، تتميز بالحميمية، وتستبطن احتراما وتقديرا للأدب والأدباء، وهي مجال مفتوح للحوار وتبادل الراي وإقامة مشاريع أدبية، والتطلع بعقول منفتحة نحو المستقبل.
ألا تعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي، قد كسرت أفق هذه العادة الأدبية وتقاليدها الممتعة في التفكير والنقد والنقاش والسجال؟
تبقى وسائل التواصل الاجتماعي مجرد وسائل، ونحن من يتحكم فيها، ويمكن ان نخضعها لرغباتنا، وهذا بالتأكيد ما انتبه إليه كثيرون وجعلوا منها وسائط لخدمة الفكر والأدب، فأثناء العزل الصحي الإجباري الذي تسبب فيه وباء كورونا أصبحت هذه الوسائط بديلا للحوار وعقد اللقاءات عن بعد.
وشكلت صالونات افتراضية حافظت على تواصل الأدباء والقراء ولو في حدوده الدنيا. مما يعني ان الافتراضي قد يتحالف مع الواقعي ويتكامل معه من أجل خلق فضاءات متنوعة للحوار والنقاش في الأدب وفي غيره.
إلى أي حد في نظرك، يمكن الحديث عن مشروع روائي أصيل عند مصطفى لغتيري، يمزج في منطلقاته المفاهيمية بين الواقع والأسطورة والتاريخ والذاكرة؟
ولو ان الامر موكول إلى النقاد لقول كلمتهم الفصل في ذلك، إلا انني مع ذلك يمكن ان اقول تصوري للموضوع، فرغم ان كل مشروع يبقى غير مكتمل ولا يمكن الحكم عليه بشكل نهائي ما دام صاحبه ما زال يرص لبناته بعضها إلى بعض، فإنني ازعم انني حاولت ان اكون متنوعا في كتاباتي، ولا مست قضايا ربما لأول مرة يقاربها الادباء في المغرب سواء بشكل كلي او جزئي.
ومن ذلك ان روايتي "ليلة أفريقية" تعد أول رواية مغربية تقارب موضوع الأفارقة جنوب الصحراء، وسود البشرة عموما في المغرب، والمعاناة التي يعانون منها بفعل العنصرية التي تسكن ذوات البعض وتفكيرهم، كما ان روايتي عائشة القديسة تعد أول رواية مغربية تتناول أسطورة عائشة قنديشة روائيا، كما ان روايتي أسلاك شائكة تعد اول رواية مغربية تتناول معضلة غلق الحدود ما بين المغرب والجزائر وأثارها الإنسانية العميقة على سكان المنطقة الحدودية.
واظن كذلك ان روايتي "امومة لم تكتمل" أول رواية مغربية تكتب عن الصينيين في المغرب، وروايتي الأطلسي التائه أول رواية مغربية تتناول صوفي مغربي قلبا وقالبا ويتعلق الامر بأبي يعزا يلنور. أما روايتي تراتيل امازيغية فهي اول رواية مغربية تتحدث عن الحضارة الامازيغية العريقة في المغرب.
ما أريد أن أقوله هو أن مشروعي الروائي يرتكز على محاولة انطاق المسكوت عنه والهامشي وغير المطروق، بطريقة تختلف من رواية إلى اخرى، واتمنى ان اكون قد نجحت في ذلك ولو نسبيا.
لكن، لماذا تغيب الرواية التاريخية عند مصطفى لغتيري بالمقارنة مع تجارب روائية مغربية أخرى، أضحت تهتم بهذا البراديغم في صياغة متن روائي متخيل؟
في الاطلسي التائه كانت الاحداث التاريخية التي تؤطر الشخصية هو ذلك الصراع ما بين الدولة المرابطية والدولة الموحدية على السلطة في المغرب في القرن الثاني عشر الميلادي، وفي رواية تراتيل امازيغية تطرقت لفترة تاريخية موغلة في القدم قبل دخول العرب والمسلمين إلى المغرب، وفي رواية "احلام المسيسبي على ضفاف سبو" تحدثت بتفصيل عن الإنزال الامريكي في القنيطرة خلال الحرب العالمية الثانية وأظنها أول رواية مغربية تطرقت بتفصيل لهذه الحقبة، وفي روايات اخرى لامست قضايا تاريخية متنوعة كما فعلت في رواية "ابن السماء" حيث تحدثت فيها عن فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب وكيف استغل الأضرحة لبسط سلطته.