"اليوم كان أول دخول لقاعة السينما منذ زمن بعيد. وجدنا الكراسي في حداد. وستار العرض كفنا للذكريات. وإشراقة نور من قمرة العرض تعيد الحياة للمكان"، بهذه العبارة علق المخرج السينمائي المغربي عز العرب العلوي على صورة له التقطها أمس داخل إحدى القاعات السينمائية التي بدأت تتنفس مجددا بعد أزيد من أربعة عشر شهرا من الإغلاق بسبب كورونا.
وفي واقع الأمر، فإن الفرحة التي أعرب عنها المخرج العلوي في الصورة والتعليق اللذين نشرهما عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، يتقاسمها معه كل مهنيي القطاع من مدبري القاعات السينمائية وفناني وعشاق الفن السابع بعد ما نزل بردا وسلاما على قلوبهم قرار الحكومة إعادة فتح قاعات السينما والمسارح والمراكز الثقافية واستقبال 50 في المائة من طاقتها الاستيعابية، إثر تحسن المؤشرات المتعلقة بالوضع الوبائي بالمملكة.
وعلى ما يبدو، فإن قرار الحكومة الذي وصفه القائمون على مركب سينمائي كبير بالعاصمة الرباط، بـ"النبأ السار"، يعد بعودة الحياة تدريجيا لفضاءات كانت أول ما طالها المنع والإغلاق في بدايات انتشار الجائحة باعتبارها تقوم على البعد الجماهيري الذي ينتعش فيه انتشار الفيروس.
القائمون على المركب قالوا أيضا إنه إذا كانت إعادة فتحه تتطلب ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع من أجل القيام بأعمال التنظيف والبرمجة والصيانة التقنية والتواصل، فإنهم سيرفعون رهان إنهاء ذلك كله في ظرف عشرة أيام فقط لأن "فرحة لقاء جمهورنا تحفزنا على الانطلاق".
وفي انتظار ذلك، أكد مسؤولو المركب أنه "لم نضيع دقيقة واحدة، إذ وقعنا عقدا لتوزيع فيلمين من العيار الثقيل كل واحد منهما في صنفه"، وهما (نومان لاند) الذي حاز جائزة الأوسكار لأحسن فيلم هذا العام، وفيلم (كرويلا) آخر إنتاجات (ديزني).
قاعة سينمائية أخرى بالعاصمة الرباط، لم يجد مسؤولوها بدا من نشر ملصق يحتفي بقرار إعادة فتح القاعات السينمائية، دبجوه بعبارة للجمهور جاء فيها "نحن متلهفون للقائكم مجددا، لقد جاء اليوم الذي طالما انتظرناه. هناك أفلام عديدة تنتظركم سنعرضها قريبا".
وأمام احتفاء أصحاب القاعات السينمائية بقرار إعادة فتحها، أطلق البعض دعوة للإقبال على هذه القاعات ورفع تحدي ملء نصف طاقتها الاستيعابية المسموح به، وذلك في ظل التراجع الذي كانت تعيشه هذه القاعات حتى قبل زمن الجائحة لأسباب عدة لعل أهمها المنافسة الشرسة التي تطرحها منصات العرض التدفقي للأفلام من قبيل (نتفليكس)، والتي "سرقت" من القاعات السينمائية جزءً مهما من مرتاديها.
الإعلامي بلال مرميد، قال في هذا الصدد، إنه بعد طول انتظار، الحكومة تقرر إعادة فتح المسارح وقاعات السينما والمراكز الثقافية والمكتبات والمتاحف والمآثر في حدود 50 في المائة من طاقتها الاستيعابية، متوجها بالحديث لمتابعيه بالقول "أرونا الآن مدى عشقكم للسينما والمسرح واملؤوا نصف القاعات التي ما زالت على قيد الحياة".
على أن هذا القرار الحكومي سبقته دعوات من طرف المهنيين والفنانين في كل مرة يتم فيها اتخاذ قرار بالتخفيف من التدابير الاحترازية ويتم استثناء الفضاءات الثقافية منها، وهو ما برز في المذكرات والبيانات المتواترة التي ظلت تدعو إلى شمل القاعات السينمائية بقرارات الفتح ولو جزئيا، وتنبه إلى الأوضاع الصعبة التي بات يعيشها من تشكل هذه الفضاءات مورد رزق لهم.
الحكومة من جهتها تفاعلت مع هذه الدعوات من خلال ما سبق لوزير الثقافة والشباب والرياضة عثمان الفردوس أن أعلنه من تخصيص 10 ملايين درهم لتفعيل مجموعة من التدابير الرامية إلى دعم القاعات السينمائية بعد تراجع عائداتها بسبب تداعيات الجائحة، مبرزا أنه سيتم التكفل ببعض المستحقات المالية لدور السينما، إلى جانب تخصيص دعم مالي استثنائي للعاملين في القطاع.
الفردوس سبق وأكد أيضا على ضرورة حماية القاعات السينمائية "باعتبار أنها الرابط المركزي في الصناعة السينمائية، ووسيطا ثقافيا إلى جانب دورها المهم في المساواة المجالية".
وفي استشراف لما يجب القيام به لتعزيز هذا الدور المهم الذي تضطلع به القاعات السينمائية، قال بكر الصديقي، رئيس مؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والإبداع، متفاعلا مع قرار الحكومة إعادة فتحها جزئيا إن "إعادة إحياء الممارسة الفنية يجب أن تشكل فرصة لإعادة التفكير في الممارسة الثقافية في فترة ما بعد كوفيد-19".
ودعا الصديقي، في مقال نشر على موقع "لوكوليماتور"، إلى "مشاورة وطنية حقيقية حول الثقافة غدا، وذلك بهدف ضمان إقلاع حقيقي لصناعة إبداعية تنافسية مدرة للثروة وفرص الشغل تساهم في بروز علامة وطنية بمعايير دولية".