وسط حي سكني قديم بواحة تغجيجت يتواجد متحف "تايـوگا"، الذي يحفظ جزءً كبيرا من الذاكرة الجماعية لسكان الواحات بهذه المنطقة، وعاملا مهما لتشجيع السياحة الواحاتية والثقافية والإيكولوجية.
ويضم هذا المتحف، الذي أسسه عبد الله بيغرداين بمنزله الخاص على مساحة تقدر بـ600 متر مربع، أكثر من ثلاثة آلاف قطعة من اللقى والأدوات التقليدية التي تهم مختلف جوانب الحياة اليومية في واحة تغجيجت والواحات المجاورة خلال القرون الماضية.
ويلاحظ عبد الله بيغرداين الاندهاش الذي ظهر على ملامح زوراه وهي تتجول بين أروقة المتحف/الدار، من ركن إلى ركن، يقفون على كنوز طالها النسيان، متأسفين على الإهمال الذي يطال مثل هذه الفضاءات وجهود أمثال عبد الله بيغرداين .. يكسر هذا الأخير السكون المخيم بوضع يديه على قلبه في إشارة ذات معنى ..."إنه الشغف والغيرة على تراث المنطقة" يبوح لوكالة المغرب العربي للأنباء التي قامت بجولة عبر أروقة المتحف.
هذه الغيرة وحب جمع القطع الأثرية والتحف قادا عبد الله بيغرداين سنة 1973 إلى تأثيث هذا الفضاء ببيت الأسرة، وتحويله بعد ذلك إلى متحف سنة 2014 بمجهودات ذاتية (الترتيب والتصنيف والتوثيق..) مسلحا بخبرة صقلتها السنوات الطوال، وكثير من العرق والحرص على الحفظ من الزوال، وتعريف الأجيال بموروث منطقتهم وتذكيرهم بجزء من تاريخهم العريق، "هذا في غياب أي دعم أو مساعدة" يتأسف بيغرداين.
بوسائل ذاتية وبأناة شيد بيغرداين هذا المتحف لا هدف له إلا "حفظ التراث حمايته من الاندثار" يضيف في حوار أجرته معه الوكالة، وليشارك الجميع نتيجة مجهوداته وعمله المتواصل والدائم يظل المتحف / الدار مفتوحا للزوار والطلبة والتلاميذ والسياح "نادرا".
يضم المتحف أكثر من عشرة (10) أروقة وأجنحة تحيل كلها إلى عوالم الفلاحة والزراعة والموسيقى والفن والفوتوغرافيا والتوثيق (بخط اليد يدون أسماء بعض التحف) .. هنا يقف الزائر على الأدوات التقليدية الفلاحية الخاصة بالواحات (المحارث الخشبية ...) وأدوات وآلات النسيج والخزف، والحرف اليدوية لا سيما المتعلقة بالنساء، أبرزها منتوجات جريد نخيل الواحات التي تسمى بالأمازيغية "أربعاي" إضافة إلى مختلف وسائل وأدوات الإنارة التقليدية مثل الفوانيس (لفنار) وغيرها..
يستوقف الزائر بقلب المتحف "عالم فريد" بكل المقاييس، غرف مخصصة للساعات بمختلف أنواعها، والقطع النقدية والعملات، مغربية وأجنبية، وآلات الهواتف العتيقة، مرورا بأواني تهيئ الشاي المختلفة وأنواع المناجل والفؤوس، وحقائب ومجوهرات زينة النساء في الأعراس والمناسبات بمناطق سوس والواحات الجنوبية، ومختلف أنواع الألبسة التقليدية ومقتنيات من مواد جلدية ومطبخية مختلفة.
للفن الأصيل بهذا المتحف، فضاء خاص، له مكانة كبيرة في قلب عبد الله بيغرداين، يتحدث عنه منذ بداية اللقاء، كأنه يستعجل أن يطلعنا عليه.. رواق خاص لحفظ أرشيف أهرامات الأغنية الأمازيغية (الروايس) من أمثال الحاج بلعيد وحماد أمنتاك والحاد محمد الدمسيري (...) بل وحتى الأغنية العربية من أمثال عبد الحليم حافظ.
المفاجأة الكبرى التي كان يخبأها عبد الله بيغرداين ...آلة الفونوغراف القديمة المتواجدة بالمتحف وهي في حالة جيدة.. يصر مبتسما على أن يسافر بنا إلى عوالم الزمن الجميل وعبق التاريخ عبر أعذب أغاني الحاج بلعيد ...
يقول، "كنت مولعا بالفن منذ الطفولة، حافظت على كثير من الأسطوانات الفنية والأشرطة لأشهر الروايس، واكتملت الفرحة والمتعة بحصولي على هذا الفونوغراف هدية من صديق يقطن بفرنسا.. هذا الفونوغراف هو عقد المتحف".
وجدت كل هذه التحف ملاذا آمنا في قلب هذا المتحف، بفضل عبد الله بيغرداين، الذي أصر على توجيه الدعوة لكل الفاعلين والمهتمين بالموروث الثقافي والحضاري الى التفاتة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ودعم جهوده الشخصية وتوجيه الزوار والسياح للمنطقة للاطلاع على هذه الكنوز ..
وبحرقة يتساءل: "ألا يستحق هذا التراث الاهتمام، ألن يساهم تطوير البنيات التحية السياحية بالمنطقة في التنشيط السياحي المحلي باستقطاب زوار وسياح مهتمين بالواحات والبيئة".
ولم لا تشجيع السياحة الثقافية كذلك، وتصوير الأفلام السينمائية، يضيف، مشيرا في هذا الصدد الى تصوير مشاهد من فيلم سينمائي أمازيغي سنة 2014 لما وجده صاحب العمل في المتحف من ديكورات مناسبة وجاهزة.
وأحال عبد الله بيغرداين إلى عدة بحوث جامعية لطلبة الماستر بجامعة ابن زهر بأكادير أنجزت بالمتحف.
ويخلص أن متحف "تايوكا" (الزوج من كل شيء لا سيما المحراث)، الذي يختزل اسمه معاني الحرث عماد المعيش اليومي لسكان الواحات، يقاوم ويقاوم ليحكي للأجيال تاريخ المنطقة العريق.
يذكر أن المتحف يسير حاليا، من قبل (جمعية متحف تايوكا للسياحة والتراث) التي يرأسها مالك المتحف ذاته.