خبر حزين جدا لعالم الفن في المغرب. فقد توفي الفنان التشكيلي محمد المليحي عن عمر يناهز 84 عاما، يوم الأربعاء 28 أكتوبر في باريس، بعد إصابته بوباء كوفيد-19، بحسب ما علمه Le360 من مصادر عائلية. وكان الفنان المغربي قد نُقل إلى العناية المركزة بالمستشفى الجامعي أمبرواز باري، غير أنه لم ينجُ من إصابته بفيروس كورونا.
وكان محمد المليحي قد سافر إلى باريس لإجراء عملية جراحية، إثر كسر في الكاحل تم علاجه، لكن دون أن تخف حدة الألم والقضاء بشكل كامل على التورم في القدم.
ويحظى محمد المليحي بمكانة خاصة في الفن التشكيلي في المغرب وإفريقيا والعالم العربي، بل وحتى في العالم. إنه من أهم رموز الحداثة الجمالية في البلدان غير الغربية في فترة ما بعد الحرب. كان رجل حوار ونقاش وكانت له دائما قدرة على تقديم أجوبة ذكية ومفيدة للمسائل التي تثير الجدل. لقد كان دائما يدعو إلى الحوار الهادف.
هناك حكاية طريفة تمكننا بشكل جيد من فهم المقاربة الفنية والحالة الذهنية التي هيمنت على مقاربته للأشياء وكان مسرحها معرض باب الرواح في الرباط. حدثت الحكاية في عام 1965، كان المليحي، الذي كان قد عاد حديثا من الولايات المتحدة، ينظم معرضا شخصيا في باب الرواح.
حداثة أعماله جلعت أحد الصحافيين يتهمه برسم لوحات ذات نفحة غربية ولا تمتح من الثقافة المغربية. بلباقته المعهودة، أجاب المليحي على هذه الانتقادات القاسية بتعليق بساط أمازيغي بجانب لوحاته. هذه السجادة لم تبد كشيء نشاز في رواق باب الرواح. لم تبد وكأنها في تناقض مع اللوحات الأخرى المعروضة. على العكس من ذلك، كان من الصعب عدم القبول بالتناغم الكامل بين اللوحات، المفترض أنها مستوردة من الغرب، وهذه السجادة المتجذرة في التقاليد المغربية.
عاش محمد المليحي وعمل في نيويورك من عام 1962 إلى عام 1996. هناك طور أسلوبا شخصيا مبنيا على التجريد الهندسي، وكان مستوحى من الأشكال التي كان الفنان يستوحيها من بيئته المباشرة. ولد الفنان المغربي عام 1936 في مدينة أصيلة، وهي مدينة مطلة على المحيط الأطلسي. ومن هناك لعب البحر أهمية حاسمة في عالم وتمثلات الفنان.
في الولايات المتحدة الأمريكية، درس المليحي أيضا الفنون الجميلة في معهد مينيابوليس للفنون. رسم لوحة جصية كبيرة في كافيتريا هذا المعهد. دعونا نتخيل هذا الأمر: رسام مغربي شاب ينجز لوحة في فضاء واحدة من أعرق مدارس الفنون في الولايات المتحدة.
في عام 1964، عاد المليحي إلى المغرب والتحق بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، التي كان على رأسها آنذاك فريد بلكاهية. قام بتدريس عدة تخصصات هناك: الرسم والنحت والكولاج والتصوير وغيرها. أدخل المليحي إلى هذه المدرسة رفيقته في ذلك الوقت، مؤرخة الفن توني ماريني، وكذلك عالم الأنثروبولوجيا بيرت فلينت، وهو أكبر جامع للسجاد المغربي. رفقة الرسام محمد شبعة، الذي كان من أشد المدافعين على دمج الأعمال الفنية في الهندسة المعمارية وأعطى أهمية كبيرة للتعليم المقدم في مدرسة باوهاوس، أعطى هذا الرباعي دفعة قوية لمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء.
في عام 1969، شارك مع رفاقه فريد بلكاهية ومحمد شبعة ورومان عطاء الله ومصطفى حفيظ ومحمد حميدي في معرض "الحضور التشكيلي" بساحة جامع الفنا بمراكش. هذا المعرض في الهواء الطلق له أهمية كبيرة ويمثل لحظة مهمة في تاريخ الفنون التشكيلية في المغرب. بعد اتهامهم بأنهم ينتجون فنا نخبويا لا يفهمه عامة الناس، عرض الفنانون الستة أعمالهم في الساحة الأكثر شعبية في المغرب. إنه بلا شك أول مظهر للفن المعاصر في المغرب.
هذا ليس كل شيء. من يتحدث عن المليحي يتحدث أيضا عن الجداريات التي تزين منازل أصيلة والتي ساهمت في شهرة موسمها، وهو مظهر فني وفكري شارك في التأسيس له مع رفيقه محمد بن عيسى. المليحي هو أيضا اسم مشهور في عالم النحت وقوة إبداعية يتم الإشادة بها في جميع أنحاء العالم. وللتأكد من ذلك يكفي أن نقول إن معرضه "أمواج جديدة: محمد المليحي ومدرسة الدار البيضاء للفنون"، الذي نظم بإشراف القيم على المعارض مراد منتظمي، في عام 2019 في لندن، صنفته الصحافة الإنجليزية ضمن قائمة أهم 10 معارض يجب مشاهدتها، في مدينة يعد فيها العرض الفني من أكثر العروض وفرة في العالم.
وبرحيل محمد المليحي المفاجئ يفقد المشهد الفني المغربي واحدا من أعظم الشخصيات المغربية في عالم الفن التشكيلي. أصدقاء الراحل في هيئة تحرير Le360 حزينون لفقده ويشاطرون زوجته خديجة وأولاده آلامهم وأحزانهم ويقدمون لهم أحر التعازي في فقدان الراحل.