الاكتشاف العظيم الذي جرى قبل الأسبوع الماضي، سيعيد كتابة تاريخ البشر، إذ لم تعد فرضية ان الشرق الإفريقي، بإثيوبيا تحديدا، هو مهد البشرية، لتصير منطقة جبل إيغود موطن أقدم كائن بشري عاقل إلى إشعار آخر.
لهذا الغرض، راسل Le360 عدة معاهد بيولوجية، لمعرفة ما سيتغير من تحديثات على مستوى الأوراق العلمية التي تنشرها، خصوصا أن الاكتشاف يطرح مفهوما جديدا يقول ببداية تطور الإنسان المعاصر في كل أنحاء القارة الأفريقية، مؤكدين أن الفكرة التى تقول ببداية تطوره في شرق أفريقيا أو كما يُطلق عليها «مهد واحد للبشرية» قبل 200 ألف سنة، لم تعد مقبولة بعد الآن.
إعادة كتابة التاريخ البشري
ويقول دافيد كلينغوفر، عن المعهد البيولوجي الامريكي في مراسلة مع Le360، "تشير النتائج الواردة في ورقتين بحثيتين نُشرتا في مجلة نيتشر العلمية الشهيرة هذا الأسبوع، إلى أن الحفريات المكتشَفة تمثل أقدم حفريات للإنسان العاقل عُرفت حتى الآن"، وهو ما يعني تحديث جميع الأوراق العلمية التي كتبت في هذا الصدد.
وكتب دافيد كلينغوفر، "إن هذه المادة تمثل جذور جنسنا، وهي أقدم أنواع الإنسان العاقل التي وُجدت في أفريقيا أو في أي مكان آخر".
ويعد جبل إيغود أقدم المواقع وأغناها بكائنات أشباه البشر من إفريقيا، الذين يعودون إلى العصر الحجري الأوسط، الذي يوثق المراحل الأولى من فصيلة الإنسان العاقل، التي تأسست فيها الخصائص الرئيسة للمورفولوجيا (علم دراسة هيئة الإنسان وتكوينها) البشرية الحديثة.
وحتى تاريخ خروج الكشف الأخير للعلن، كانت أقدم الحفريات المعروفة عن الجنس البشري من إثيوبيا (من موقع يُعرف باسم أومو كيبيش) في شرق أفريقيا، ويرجع تاريخها لحوالي 195 ألف سنة.
تحديث المفاهيم
أما سوسيل بارنيي عن المركز الوطني للابحاث البيولوجية بفرنسا فكتب"كنا نعتقد أن مهد البشرية كان قبل قرابة 200 ألف سنة في شرق أفريقيا. لكن بياناتنا الجديدة تكشف عن أن الإنسان العاقل عاش في القارة الأفريقية بأكملها قبل حوالي 300 ألف سن، فقد كان الهومو ساپيانس يعتقد أنه سيطر على الأرض خلال الخمسة والعشرين ألف سنة الماضية فقط، بعد أن تخلص من منافسيه من الأنواع الأخرى من الفصيلة البشرية، وهو ما يُعرف علميا بـ«فرضية النوع الواحد».
تأخر رفض نظرية «النوع الواحد» حتى أواخر سبعينيات القرن العشرين، عندما عثر على الدليل المؤكد الذي قدّمته الأحافير من أن أنواع البشر كانت تتعايش بعضها مع بعض قبل نحو مليونَي سنة فيما يُعرف الآن بشمال كينيا. فقبل تطوُر نوعنا المعروف بالانسان العاقل كانت هناك العديد من الأنواع البشرية البدائية، التي بدت مختلفة ولها نقاط القوة والضعف الخاصة بها.
فقد كان الرأي السائد، حسب سوسيل بانريي، أن الإنسان العاقل تطور فجأة من البشر الأكثر بدائية في شرق أفريقيا منذ حوالي 200 ألف سنة، ومنها انتشر في جميع أنحاء أفريقيا، وفي نهاية المطاف إلى بقية كوكب الأرض. ويبدو أن الاكتشافات الجديدة تلغي وجهة النظر هذه.
خلال ستينيات القرن الماضي، عُثر على حفريات بشرية في موقع في جبل إيغود بالمغرب، إلى جانب عظام حيوانات ومجموعة من الأدوات الحجرية المشابهة للثقافات الأوروبية الموستيرية التي ارتبطت بمواقع إنسان نياندرتال.
وقدر العلماء آنذاك أن الحفريات تعود إلى حوالي 40 ألف سنة مضت، وعدت ممثلة للشكل الأفريقي من إنسان نياندرتال، وهو ابن عم للهومو سابينس، ولكن تحليلات لاحقة ألقت ظلالا من الشك على هذه الانتماءات.
وأدى مشروع التنقيب الجديد، الذي بدأ في عام 2004، إلى اكتشاف أحافير جديدة تتعلق بالإنسان العاقل في الموقع، مما زاد عددهم من 6 إلى 22 حفرية. وأسفرت الفحوصات التي أُجريت على الحفريات الجديدة عن العثور على أدوات حجرية إضافية وعلى العديد من الحفريات البشرية، بما في ذلك جمجمة مكتملة جزئيًّا وفك سفلي.
وفي ورقة ثانية، يُظهر شانون ماكفيرون وزملاؤه أن الأدوات الحجرية المكتشَفة هي في الواقع نماذج من الثقافات الأفريقية في العصر الحجري الأوسط. كما نجح بحثه أيضًا في تأريخ عمر العظام التي جرى العثور عليها، باستخدام أحدث أساليب التكنولوجيا الفائقة لتشير إلى أنه يترواح بين 300 و350 ألف سنة. وانتهى بحثه إلى أن شكل الجمجمة يكاد يكون متطابقًا مع البشر الحاليين.
قصور في تسويق الاكتشاف
أما في المغرب، وإن كان الاكتشاف الأخير لم تعطى له بعد تلك الهالة التي يستحقها، من أجل التسويق للمغرب كـمهد محتمل للبشرية"، بدليل عدم اختيار اسم شائع للاكتشاف، فلم تحدث سوى إشادة طفيفة من وزير الثقافة والاتصال، محمد الأعرج الذي أكد أن "اكتشاف أقدم إنسان-من صنف الإنسان العاقل، يعود تاريخه إلى أكثر من 300 ألف سنة خلت، في موقع جبل إيغود بإقليم اليوسفية يعطي للمغرب مكانة دولية متميزة في دراسة هذه الحقبة من تاريخ البشرية".
كما أوضح الوزير في لقاء صحفي نظمته الوزارة بمقر أكاديمية المملكة المغربية، أن البقايا التي عثر عليها بجبل إيغود، والتي تم تحديد تاريخها باستعمال التقنية الإشعاعية لتحديد العمر، تعود لحوالي 300 ألف سنة قبل الحاضر، "وبالتالي فهي تعتبر أقدم بقايا لفصيلة الإنسان العاقل تم اكتشافها إلى غاية يومنا هذا".