وضعية البحث العلمي اليوم مُخجلة وتحتاج إلى مزيدٍ من العناية والمتابعة والمحاسبة. إذْ رغم مجهودات الوزارة لم تستطع بعد أنْ تُدير هذا العنصر وتجعله ورقة رابحة في سيرة التعليم العالي. ذلك إنّ أغلب الأكاديميين داخل كليات العلوم الإنسانية والاجتماعية يرجعون أسباب عدم اهتمامهم بالبحث العلمي إلى عوامل ترتبط بضعف الميزانية وهشاشتها وعدم قدرة الكليات على دعم المختبرات العلمية. كلامٌ كهذا غير مقبول بالمرّة، خاصة داخل مجالات العلوم الإنسانية ونظيرتها الاجتماعية، إذْ هناك مجهودات كبيرة قام بها العديد من الباحثين بدون أيّ دعم داخلي أو خارجي، لكنّهم مع ذلك استطاعوا التأثير بندواتهم ولقاءاتهم في مجالات تتصّل بالأدب والتاريخ والفلسفة وغيرها.
دعم المختبرات واجبٌ على الدولة وينبغي العمل عليه وفق سياسة تروم إلى إعادة رد الاعتبار إلى هذه العلوم المنسيّة داخل المجال التداولي العام. فهذه العلوم التي تدرس الإنسان من جوانب مختلفة تعمل على تطويره، بما يجعلها تُدرك مكامن الخلل في هذا الكائن الجريح. في ثمانينيات القرن العشرين، لم تكُن الجماعات تتوفّر على موارد مادية يجعلها تُدعمّ المختبرات والندوات واللقاءات، لكنّ الإنتاج الفكري كان غزيراً ومؤثراً. بل إنّ من داخل فضاء الجامعة خرجت أفكار ومواقف ومفاهيم ونظريات وحلّقت بعيداً في جسد الثقافية العربية.
يعثر المرء داخل الجامعة على عددٍ كبير من الباحثين الذين لا ينشرون شيئاً فيما يتّصل بنتاجهم العلمي، بل إنّ أغلبهم لم ينشر حتّى بحثه الجامعي. هذا الأمر يُضمر في طيّاته سوء فهم ونظر إلى الجامعة، فهذه الأخيرة غدت مكاناً لراحة والاستراحة والاستجمام ومكاناً للتلقين المعرفي فقط، وليست مختبراً للتفكير والتأمّل وممارسة البحث العلمي وتقديم مقالات ودراسات وندوات ومؤلفات في مجال التخصّص. كيف يُمكن أنْ نُنمّي أجيالاً بدون بحث علمي؟ كيف يُمكن أنْ نصنع عقولاً جديدة ونحن ما نزال نُدرّس شكلاً من المعرفة غير موجود في الواقع؟ بل إنّ ما وصلت إليه كليات غربية يجعلها نحتاج إلى سنواتٍ ضوئية للوصول إليه. وهذا الأمر، يجعلنا نعيشه تأخّراً تاريخياً على مُستوى الإنتاج الثقافي. ففي الوقتٍ الذي يتجاوز فيه الغرب نظريات ومفاهيم وأفكار، فإنّها تغدو لدينا في بحثنا العلمي عبارة عن موضة يتباهى بها الجامعيون في مختبراتٍ هشّة ومعطوبة ولا أحد يعرفها بمن فيهم طلبة الكلية.