موقف فرنسا من الصحراء المغربية.. بين التأكيد والحاجة إلى الوضوح والتحديث

Nasser Bourita, ministre des Affaires étrangères, et son homologue français, Stéphane Séjourné, le lundi 26 février 2024 à Rabat.

ناصر بوريطة وستيفان سيجورني وزيرا خارجيتي المغرب وفرنسا

في 28/02/2024 على الساعة 13:00, تحديث بتاريخ 28/02/2024 على الساعة 13:00

لا شك أن زيارة رئيس الديبلوماسية الفرنسية، ستيفان سيجورني، للمغرب تؤشر إلى عودة فرنسا إلى موقفها الرشيد في ما يخص مقترح الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب لحل القضية المفتعلة بخصوص الصحراء المغربية.

لكن العودة ليست كافية لأن أشياء كثيرة حصلت لصالح المغرب من قبل دول شقيقة وصديقة. كما أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية الواضح يقدم نموذجا يحتذى، لأنه يعتبر الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه موقف دولة.

وعلى هذا الأساس تتعامل الولايات المتحدة مع قضية الوحدة الترابية للمملكة، إذ ظل الموقف الأمريكي ثابتا رغم تغيير الرئيس، إذ حل جو بايدن الرئيس الحالي، محل الرئيس السابق دونالد ترامب وظل الموقف الأمريكي ثابتا.

من هذا المنطلق أصبحت التقدم خطوة إلى الأمام بعد « التراجع » غير كاف، ويبرر أن الموقف المثالي هو أن نتعامل على أساس تبادل الاحترام، والثبات على المواقف بهذا الخصوص.

ويمكن اعتبار تصريحات سيجورني بخصوص مقترح الحكم الذاتي لكنها يحتاج إلى تعزيز يقدر المغرب ومكانته التاريخية في ما يخص علاقته بفرنسا، من أجل تقديم دفعة قوية للشراكة.

في انتظار موقف أكثر شجاعة من فرنسا استفسر le360 عن دلالات تصريحان ستيفان سيجورني بوسلهام عيسات، الباحث في الدراسات السياسية والدولية، الذي يرى « أن فرنسا استوعبت جيدا بأن المضي في علاقات سواء كانت اقتصادية أو غيرها مع المغرب رهين بإقرارها بشكل صريح بمغربية الصحراء وبمبادرة الحكم الذاتي التي تشكل أساسا لا محيد عنه لإنهاء النزاع المفتعل ».

واستفسرنا أيضا الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي إدريس لكريني، الذي قال « مازال بحاجة إلى مزيد من الوضوح » وفي مايلي تصريحا بوسلهام عيسات وإدريس لكريني:


بوسلهام عيسات: فرنسا أدركت سلبيات عدم خروجها من المنطقة الرمادية بخصوص قضية الصحراء


أكد وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، خلال زيارته للمغرب أنه يحمل معه أبرز نقطة تتعلق بتجديد التأكيد على دعم فرنسا لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. وبناء على هذا الموقف يمكن تسجيل الإشارات التالية بخصوص إعادة مراجعة لموقفها بخصوص مغربية الصحراء، وتأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية.

الإشارة الأولى: فهم ووعي النخبة السياسية في فرنسا، ولاسيما صناع القرار في قصر الإليزيه بأن أي علاقات فعلية للتعاون والتنسيق المتعدد المجالات مع المغرب باعتباره شريكا اقتصاديا تقليديا، يتطلب منها توضيح موقفها إزاء مغربية الصحراء، والاعتراف بأهمية وواقعية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كأساس لإنهاء النزاع المفتعل بالصحراء المغربية.

الإشارة الثانية: استيعاب فرنسا جيدا ما عبر عنه الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، إذ أكد « أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وبأنه المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات »، ومن تم يفهم بأن ذلك كان بمثابة دعوة حقيقية لبعض الدول من الشركاء التقليديين والجدد للمغرب بتوضيح مواقفها ومراجعة مضمونها بشكل واضح ولا غموض يكتنفه، ولا يقبل التأويل. ومن بينهم فرنسا التي لم تخرج آنذاك من المنطقة الرمادية بخصوص قضية الصحراء.

واليوم في ظل هذه المتغيرات، يبدو أن فرنسا استوعبت جيدا بأن المضي في علاقات سواء كانت اقتصادية أو غيرها مع المغرب رهين بإقرارها بشكل صريح بمغربية الصحراء وبمبادرة الحكم الذاتي التي تشكل أساسا لا محيد عنه لإنهاء النزاع المفتعل.

الإشارة الثالثة: بعد تعبير عدد من الدول الوازنة عن دعمها وتقديرها لمبادرة الحكم الذاتي في إطار احترام سيادة المغرب الكاملة على أراضيه كإطار لحل هذا النزاع الإقليمي، وكذلك بعد الموقف الواضح والمسؤول لإسبانيا التي تعرف جيدا أصل هذا النزاع وحقيقته، والذي أسس لمرحلة جديدة من الشراكة المغربية الإسبانية، فضلا عن مواقف مجموعة من الدول الأوروبية كألمانيا وهولندا والبرتغال وصربيا وقبرص ورومانيا (...) ، وقيام حوالي ثلاثين دولة بفتح قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية.

هذا فضلا عن موقف الدول الافريقية، إذ فتحت حوالي 40 في المائة من الدول التي تنتمي إلى حوالي خمس مجموعات جهوية (فتحت) قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، مع استيعاب هذه الدينامية كذلك لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي التي سبق أن أشادت بعض دولها بدينامية التنمية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية، وبأنها محطة وصلة وصل حقيقة ستساهم في تعزيز التعاون جنوب-جنوب، وتشكل منطلقا لتعزيز الحوار الأطلسي وفضاء لتقاسم القيم المشتركة بين أفريقيا الأطلسية وأمريكا اللاتينية.

أعتقد أن فرنسا أدركت سلبيات عدم اصطفافها إلى جانب الدول الكبرى التي سارت على النهج نفسه، وبأن عدم خروجها من المنطقة الرمادية، ولاسيما في ضوء مؤشرات تؤكد دور المملكة في إطلاق وتبني مبادرات إقليمية بقيادة الملك تتوخى الحرص على بناء افريقيا قادرة ومزدهرة، وكذا النهوض بالفضاء الأطلسي الافريقي وتنميته وجعله مركزا في صلب الاشعاع الإقليمي والدولي. سيجعلها من الناحية الجيو-استراتيجية، من حيث بناء هذه التحالفات خارج الصورة وخارج بناء هذا النسق الجديد الذي يتشكل، وفي عزلة تامة عن هذه الدينامية التي تشهدها المنطقة. الشيء الذي يفسر هذه الحركية والسعي إلى بناء هذه المرحلة الجديدة من الشراكة مع المغرب.


إدريس لكريني: الموقف الفرنسي مازال بحاجة إلى مزيد من الوضوح


في الحقيقة الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي إلى المغرب مثلت محطة مهمة في سياق تجاوز الأزمة الصامتة التي عمرت عدة أشهر بين المغرب من جهة وفرنسا من جهة ثانية، وهي الأزمة التي بعث فيها المغرب مجموعة من الرسائل لفرنسا مفادها أنه يرفض شراكة مختلة أو انتقائية غير متوازنة، وغير مبنية على المصالح المتبادلة، خصوصا في ما يتعلق بالموقف من قضية الصحراء المغربية.

إن السياسة الخارجية المغربية الراهنة أصبحت تبني الشراكات المتعلقة بالمغرب انطلاقا من الموقف من هذه القضية الحيوية بالنسبة للمغرب. وأعتقد أن هذه الزيارة جاءت في مرحلة يبدو أن فرنسا أصبحت خلالها مقنعة غاية الاقتناع بأن مصالحها الحيوية مع المغرب وبأنها لا يمكن أن تفرط في شريك موثوق فيه وتربطه معها علاقات تاريخية.

حقيقة تصريح وزير خارجية فرنسا في ما يتعلق بقضية الصحراء يحمل بعض الجوانب الإيجابية خصوصا عندما جرى التأكيد على أهمية مشروع الحكم الذاتي، والجهود التي يبذلها المغرب في سبيل تطوير الأقاليم الجنوبية مع التأكيد على الحل المبني على التفاوض.

ويمكن القول إن هذا الموقف مازال بحاجة إلى مزيد من الوضوح، وأعتقد أن إصرار البلدين على تطوير علاقتهما وأيضا حجم المصالح التي تربط بينهما وهي مصالح حيوية ومهمة، كل هذه الاعتبارات المقرونة بهذه الزيارة التي سيتلوها تبادل الزيارات، مؤشرات تؤكد أنه سيحدث تحول في الموقف الفرنسي، باتجاه إرساء مواقف أكثر أهمية في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، خصوصا أن هناك اليوم مجموعة من المؤشرات التي تبرز بأن العالم بات مقتنعا بعدالة الطرح المغربي، وكذلك بمخاطر الانفصال في المنطقة وبمتاهاته التي لا تفضي لا إلى التنمية ولا إلى الديمقراطية ولا يمكنها أن تفضي إلى حل مستدام .

تأسيسا على ما قيل باتت كثير من الدول الإفريقية مقتنعة بالطرح المغربي، كما أن قرارات مجلس الأمن تحمل مجموعة من المؤشرات التي تعزز الطرح المغربي وتشدد على مبادرة الحكم الذاتي، وتؤكد مسؤولية الجزائر وهذه كلها مؤشرات ستدفع حتما فرنسا كما هو الشأن لمجموعة الدول الأخرى التي مازال موقفها ضبابيا أو يسوده بعض الالتباس في أن تبدي مواقف أكثر وضوحا، وأن تبدي مواقف أكثر دعما لقضية الصحراء المغربية.

لكن رغم ذلك وكما قلت فإن ما أقدمت عليه السلطات الفرنسية أولا يعبر عن تفهمها لنوع الشراكة التي يطمح إليها المغرب وهي شراكة متوازنة وتصب في مصلحة البلدين وتستحضر مصالحهما في شموليتها، وأيضا هناك موقف متطور من قضية الصحراء المغربية الذي حتما مع تطور الشراكات والعلاقات سيفضي إلى مواقف أكثر أهمية.




تحرير من طرف حسن العطافي
في 28/02/2024 على الساعة 13:00, تحديث بتاريخ 28/02/2024 على الساعة 13:00