مهرجان الفيلم الوثائقي الإفريقي.. ورشات متنوعة وأفلام تُعيد الاعتبار لإفريقيا

مهرجان الفيلم الوثائقي الإفريقي

مهرجان الفيلم الوثائقي الإفريقي

في 28/04/2023 على الساعة 14:00, تحديث بتاريخ 28/04/2023 على الساعة 14:00

بعد الافتتاح الذي شهده مسرح محمد الخامس مساء الثلاثاء 25 أبريل 2023 بالرباط بحضور ثلة من الوجوه الثقافة والفنية، تتواصل فعاليات مهرجان الرباط الدولي للفيلم الوثائقي الإفريقي بمعية عدد من الباحثين والمخرجين والنقاد الذي ظلّلوا بسيرهم وتجاربهم الفيلم الوثائقي الإفريقي.

فقد شهدك كليات الآداب والعلوم التربية صباح كل من يومي الأربعاء والخميس مجموعة من الورشات العلمية التكوينية لفائدة طلبة المدارس والمعاهد والكليات، استطاع فيها عدد من الباحثين والمخرجين وكتاب السيناريو تقديم دروس فنية تُوازي بين الجانب النظري القويّ المُرتبط بالنظريات والمفاهيم والسياقات الخاصة بصناعة الفيلم الوثائقي وأهدافه وخصائصه، بعدما قدّموا عصارتهم الفكرية المتصلة بمدخل عام حول الوثائقي ومدى تميّزه عن الروائي ومفهوم السيناريو والإخراج والتصوير داخل هذا النموذج من الأفلام.

أمّا الشق التطبيقي فيُعدّ أهمّ المراحل التي أغنت الورشات بين الطلبة وأثارت التفاعل المُنعش للأسئلة والحوار، بعدما استعرض فيها المشاركون خبراتهم الميدانية من كلّ من المغرب وإفريقيا وفرنسا وألمانيا والعراق. ففي تصريح خاص لـ le360 أقرّ المخرج العراقي الذي يعيش في باريس ليث عبد الأمير، بعد أن المستوى المتواضع جعله يُغيّر طريقته في تقديم المادة المعرفية، لكنّه لاحظ فيما بعد مدى اهتمام وحرص الطلبة على التعلمّ من أجل صناعة أفلامهم الوثائقية.

هكذا وجد صاحب كتاب « سينما الأكستريم: جماليات الحدود والتجاوز » نفسه مُضطّراً إلى إيضاح الفكرة بين الوثائقي والروائي وحدود التقاطع والتلاقي بين النوعين، بما جعله يُعيد بناء محاضرته ويُوجّه الورشة صوب منعطفاتٍ أخرى أكثر بساطة ووضوحاً بالنسبة للطلبة.

وبقدر ما أثارت الورشات تفاعلاً كبيراً بالنسبة للطلبة المشاركين، غذّت وكرّست قيمة دورة هذا المهرجان ومدى تجذّره في الحضارة الإفريقية، وذلك من خلال جعل المعرفة أفقاً ليوميات المهرجان. فهو بقدر ما قرّب المُشاهد إلى عوالم صناعة الفيلم الوثائقي الإفريقي، عمل من جهةٍ أخرى على تحصين المهرجان بالبُعد المعرفي الخاصّ بالورشات التي مكنت الطلبة من معرفة الطريقة الصحيحة لصناعة وثائقي وفهم ميكانيزماته وخصائصه.

وفي مقابل هذه الورشات الصباحية، شهدت قاعة العرض بالمكتبة الوطنية مساء يوم الأربعاء عرض 3 أفلام وثائقية مختلفة لكل من أنطونيو سبانو بفيلمه « أموكا » وفيلم « حي ميت » للمخرجة ليلى الشعيبي و »بعد عشرين سنة » لموسى توري من السينغال. فقد انبرهر الحاضرون بفيلم أموكا » الذي يحكي سيرة آلام الفلاحين الكونغوليين الذي يعانون في صمت، بعدما رصد المخرج مظاهر هذا الألم عبر مجموعة من الشخصيات التي تشغل في تجارة الحبوب والقهوة والرعي، إذْ قدّم المخرج مادّته البصريّة وفق نفسٍ سلس يترك فيه الشخصيات تقول ما تُريد للمُشاهد، ورغم الهاجس التوثيقي الذي بدا بارزاً في الفيلم عن طريق سرد قصص وحكايات داخل إطار وثائقي، فإنّ الفيلم يحتوي على لحظات تتوقّف فيها عملية التأريخ وتتّجه صوب منعطفاتٍ تخييلية تتصاعد فيها الموسيقى وتُصبح فيها آلة الكاميرا أشبه بفراشة ممددة الأجنحة، وهي تُصوّر بطريقة شاعرية مظاهر الجمال والفقر داخل البلد.

أمّا الفيلم الثاني، فيحكي قصّة رجل يعيش مُغترباً مقبرة، قاده تعلّقه بالحبّ إلى نهاياتٍ مأساوية. ورغم تلقائية الفيلم على مُستوى الحكي، فإنّ القصّة تبدو في مراحل متعدّدة غائمة وتحتاج ضبط مسارها. بل ربما تكون هذه الانسيابية في الحديث بالنسبة للبطل « حسن » هي التي قادت الفيلم إلى البحث عن موطن جديد داخل عوالم أخرى. إذْ تُصوّر المخرجة يوميات « حسن » في المقبرة من الصباح إلى المساء، بل إنّ المخرجة تعمّدت عدم توجيه الشخصية، لأنّها جعلتها تتدفّق مثل شلال حكي صافي. مرّة يفرح وأخرى يبكي عن أمّه وزوجاته، قبل أنْ نفاجئ مع اقتراب الفيلم من حبّه لفتاة تصغره بسنواتٍ لتزوج بها فيما بعد.

إنّ ما يُميّز هذا الفيلم فضلاً عن صُوَره الشاعرية واللعب على الفراغ البصريّ والموسيقى التصويرية، أنّ المخرجة نجحت في تكسير الحدود بين الوثائقي والروائي، إذْ يشعر المُشاهد أنّه أمام تسلسلٍ قويّ للحكي، بينما يشعر أحياناً أنّه في خضمّ فيلمٍ وثائقي متماسك البنيات والدلالات، كما هو الحال لفيلم « بعد عشرين سنة ».

هذا وقد شهد متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصرة صباح يوم الخميس 28 أبريل 2023 توقيع شراكة هامة بين فريق المهرجان وباقي النوادي السينمائية الإفريقية، بعدما تمّ توقيع وثيقة إنشاء فيدرالية النوادي السينمائية الجامعية الإفريقية، وقّع فيها عدد من الباحثين والصحفيين من أجل توطيد العلاقة بين المهرجان وباقي العاملين في صناعة الوثائقي الإفريقي، من أجل تخليص الوثائقي من ربقة التصوير الاستعماري الذي طالما صوّر إفريقيا برؤية « غرائبية » تُظهر فقط الجفاف والمجاعة والتخلّف والألم.

وبهد توقيع عقد الشراكة، شهد فضاء المتحف ندوة علمية شارك فيها مجموعة من الباحثين من إيطاليا والسينغال والكونغو وتونس والمغرب، بعدما قدّموا جملة من الخلاصات حول « الفيلم الوثائقي الإفريقي: رافعة للإبداع والتنمية » عاملين على كشف الاختلالات التي تواجه وتعيق تنمية الوثائقي الإفريقي، سيما وأنّ بعض البلدان لا تتوفر على صالات سينما يُعرض فيها الإنتاج المحلي. إذْ أنّ الفيلم الإفريقي يُشاهد في باريس وليس في بلده الأصل. هذا الأمر، يُفسّر مجموعة من الاختلالات التي تظهر داخل هذه الصناعة، بما يجعلها متأخرة وتنتظر دائماً العصا السحرية الغربية التي ستساهم في تعريف هذه السينما ومتخيّلها.

لهذا فقد اعتبر مجموعة من المتدخلين أنّ مسألة تنمية الوثائقي الإفريقي أمرٌ لا علاقة له بالغرب، وإنّما بأبناء الوطن ورغبتهم في التحرّر والانعتاق من التضييق والتبعية، وذلك من خلال إنتاج صُوَرٍ أخرى خاصّة بإفريقيا وناسها.

أما الفترة المسائية فقد شهدت هي الأخرى 3 أفلام: « عبور » لجويل أكافو من ساحل العاج و »الملاذ الأخير » وسمان سماسيكو و »صرة الصيف » لسالم بلال من المغرب. وقد تنوعت الأفلام بين تجارب بصريّة متنوعة. تارة بالوثائقي الذي يُكسّر من حدّة التخييل ويرفع من منسوب الواقع ويومياته. وتارة أخرى عن طريق الرهان داخل بعض الصور على نوع من التخييل غير المُفرط والخاضع لمعايير الفيلم الوثائقي، كما هو الحال للفيلم الأخير الذي حاول فيه المخرج تكسير منسوب الحكي وإعطاء قيمة أكبر للصورة ودلالاتها المُتعلّقة بفضاء الصحراء وجمالياته الوجودية.


تحرير من طرف أشرف الحساني
في 28/04/2023 على الساعة 14:00, تحديث بتاريخ 28/04/2023 على الساعة 14:00