بالصور: بيت الشعر يرصد نقدياً تحولات العلاقة بين «الشعر والتاريخ»

ندوة علمية خاصّة بالدورة الأكاديمية حول « الشعر والتاريخ » بشراكة مع كلية الآداب والعوم الإنسانية سايس ـ فاس

ندوة علمية خاصّة بالدورة الأكاديمية حول « الشعر والتاريخ » بشراكة مع كلية الآداب والعوم الإنسانية سايس ـ فاس

في 03/03/2023 على الساعة 14:30, تحديث بتاريخ 03/03/2023 على الساعة 14:30

شهدت العاصمة العلمية فاس، بين يومي 1 و2 مارس الجاري، ندوة علمية خاصّة بالدورة الأكاديمية حول « الشعر والتاريخ » بشراكة مع كلية الآداب والعوم الإنسانية سايس ـ فاس، وذلك بمساهمة العديد من الشعراء والنقاد والباحثين المغاربة.

وانطلقت أطوار الندوة بكلمة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سمير بوزويتة، حول ما يعنيه هذا الاحتفاء بعلاقة الشعر بالتاريخ، سيما وأنّه يتزامن مع اليوم العالمي للشعر، خاصّة وأنّ الاحتفاء بهذا اليوم كان نتيجة طلب من بيت الشعر في المغرب، بعدما وجّه رسالة خاصّة إلى منظمة اليونيسكو في تخصيص يوم عالمي للاحتفاء بالشعر لما يُمثّله هذا الجنس الأدبي في تاريخ الشعوب وحضاراتها. من ثمّ، فإنّ هذه الشراكة في نظر صاحب كتاب « مكر الصورة » مع بيت الشعر بمثابة فخر واعتزاز، لما تُضمره الندوة من اجتهاد على مُستوى اختيار المحاور التي تُوازي في تشكّلاتها بين الإبداع الشعري والبحث المعرفي باعتبارهما نمطان يتقاطعان ويتلاقيان في كتابة تاريخ جديد.

وقد أشاد بوزويتة إلى هذا التقاطع المعرفي وما نتج عنه من تفكير في تاريخ الحزن والألم، بما يجعل الخطاب يحمل في أبعاده بُعداً أنثروبولوجياً. فالشعر في نظر أكثر الأجناس الأدبيّة التي تُشكّل مرجعية معرفية بالنسبة للمؤرّخ، بحكم أنّه جنسٌ أدبيّ يغوص في المجتمع ويكشف عن أفراحه وأحزانه. كما لم يفت العميد الإشارة إلى الشاعر محمّد بودويك الذي تمّ تكريمه خلال أطوار هذه الدورة الأكاديمية، بوصفه أجمل الأصوات الشعريّة الثمانينية التي فتحت للقصيدة المغربيّة أفقاً شعرياً مُغايراً داخل جيله.

ندوة علمية خاصّة بالدورة الأكاديمية حول « الشعر والتاريخ » بشراكة مع كلية الآداب والعوم الإنسانية سايس ـ فاس

أما ممثلة مجلس جماعة فاس مريم البطول، فقد أشادت هي الأخرى بأهميّة هذا الحدث الثقافي النوعي، مُتوقّفة عند أستاذها بوزويتة ودوره في تمية الحس الثقافي لدى طلبته. لهذا اعتبرت أنّ جماعة فاس متواجدة في كل الأنشطة الثقافيّة، بسبب انفتاح الجماعة على محيطها السوسيو ثقافي وأهمية هذا الأمر في تهذيب الناس وتجميل حياتهم اليومية.

أمّا من جهته فقد أعرب الشاعر ورئيس بيت الشعر مراد القادري في كلمته التي ألقاها باسم البيت إلى سعادته في تنظيم هذه الدورة بفاس، مُشيراً إلى الدورات السابقة، وما طرحته من أسئلة معرفية غدت بمثابة مختبر للتفكير في الكثير من قضايا الشعريّة العربيّة، لهذا فإنّ موضوع العلاقة بين الشعر والتاريخ « يسائل قضية مكونة من عنصرين، شأنها في ذلك شأن كل موضوع ـ علاقة، فإن الاهتمام به ظلّ مقتصراً على الشعراء وعلى نقاد الشعر، بما جعل صوت المؤرخين والمهتمين بالتاريخ غير مسموع بصدد هذه العلاقة التي يشكل أحد طرفيها انشغالهم الرئيس. بقدر ما أتاح إشكال هذه العلاقة التفكير فيها من وازية الوشائج التي تربط الشعر بالتاريخ، بقي التفكير فيما يمكن أن يصل التاريخ بالشعر، داخل هذه العلاقة، خافتاً أو مؤجلاً باستمرار على نحو يكشف الحاجة إلى هذه الزاوية المنسية ».

وفي مقابل ذلك، أعرب الشاعر المُكرّم محمّد بودويك عن بالغ سعادته بسبب انعقاد الدورة الأكاديمية في فاس، مُوجّهاً الشكر للمؤسّسات الثقافيّة إلى ما تقوم به من مجهودٍ ثقافي تجاه المثقفين المغاربة وعلى رأسها مؤسّسة بيت الشعر التي ارتأت أنْ تُكرّمه في المدينة التب بها درس. ولم يفت الشاعر إلى الإشارة أنّ حلمه كامنٌ في رغبته في كتابة قصيدةٍ لا تنتهي بتعبير رولان بارت.

ندوة علمية خاصّة بالدورة الأكاديمية حول « الشعر والتاريخ » بشراكة مع كلية الآداب والعوم الإنسانية سايس ـ فاس

بالنّظر إلى توطئة الندوة، فقد تم تقسيمها إلى 3 محاور رئيسية، ففي محور « التاريخ والخيال: علاقة المؤرّخ بالشعر » والتي سيّرها الدكتور شكري عراقي حسني. ففي المداخلة الأولى التي قدمتها الباحثة العالية ماء العينين حول « الشعر وكتابة التاريخ: نماذج أندلسية » بعدما رصدت ملامح هذه العلاقة من خلال اشعر الأندلسي، مُركّزة على فترة حكم ملوك الطوائف، عاملة على استشكال جوهر العلاقة من خلال نموذج المعتمد بن عباد كشخصية تاريخيّة قويّة، بعدما طرحت الباحثة سؤالاً حول الشاعر وهل ارتدى قبعة المؤرّخ.

إذْ اعتبرت أنّه لم تمرّ مرحلة واحدة إلاّ ودوّن فيها تاريخها شعرياً. فهذا الأمر اعتبرته الباحثة تعاملاً مع التاريخ كواقع حيّ، مقارنة بالشعر الذي ينجرف مع الشخصيات التي عادة ما تكون ثانوية في التاريخ نفسه.

أمّا الدكتور عبد الله الغواسلي المراكشي، فقد عمل على تفكيك عنصر التاريخ وأهميته ودوره في شروح الشعر القديم، مُركّزاً على الإمكانات المُذهلة التي يُتيحها لنا التاريخ في فهم قضايا وإشكالات تتّصل بحقول أخرى، كما هو الأمر هنا مع الشعر العربي القديم الذي يستفيد في ميكانيزماته من المعرفة التاريخيّة.

خلافاً لذلك، ذهب الشاعر جمال أماش في إلقاء مداخلة علمية رصينة تتعلّق بشعريّة التاريخ بين أمكنة المعرفة وحدود الخيال، إذْ أشار في بدايته إلى مجموعة من الكُتب الغربيّة التي حاولت الاقتراب من هذه الإشكالية الأزلية بين الشعر والتاريخ، مُعتبراً أنّ هذا الأخير يهتمّ بالسرد والوصف شأنه كشأن الشعر أو الكتابة الأدبيّة عموماً.

ندوة علمية خاصّة بالدورة الأكاديمية حول « الشعر والتاريخ » بشراكة مع كلية الآداب والعوم الإنسانية سايس ـ فاس

فاعتبر أماش أنّ التاريخ الجديد تتقاطع فيه المعرفة التاريخيّة بنظيرتها الشعريّة، بعدما يغدوان نصّاً واحداً يصعب فيه القبض والتقاط عن ملامح الشعر والتاريخ. فالمؤرّخ في نظره في حاجةٍ إلى الخيال من أجل اثبات الواقعة التاريخيّة. وهذا الأمر نعثر عليه في الكثير من الكتابات التاريخيّة التي تستنجد دوماً بالخيال من أجل رسم صورةٍ خيالية أقرب إلى الواقع. لذا فإنّ زمن الشعر في نظره يختلف عن المؤرّخ، لكون الشعر زمن عاميّ وزئبقيّ مُتحوّل، أمّا التاريخ، فهو مُرتبطٌ بزمنٍ بطيء يرصد التحوّلات والانعطافات ويُدوّن الأحداث والوقائع بنفسٍ مانيمالي بطيء.

عند الباحث إبراهيم الحيسن، يتحوّل الشعر الحساني إلى أحد أهمّ المصادر التاريخيّة بالنسبة للمُؤرّخ، ذلك إنّ هذا اللون الأدبي الذي يحظى بأهميةٍ بالغةٍ يُؤرّخ لمراحل هامّة بالصحراء، بوصفه يكشفه عن طبيعة الحياة اليوميّة داخل فتراتٍ مُتقطّعة. فهو بالنسبة له يلعب دوراً كبيراً على مُستوى التوثيق كسجلٍ تاريخيّ من المُمكن أن يعمد إليه المؤرّخ لفهم طبيعة المجتمع الصحراوي والتحوّلات التاريخيّة والاجتماعية التي طرأت عليه وعلى ناسه وعاداتهم وتقاليدهم.

هذا وقد جاءت مداخلة الناقد محمّد علوط أكثر التصاقاً بالنفس التجريديّ، فقد مزج فيه مداخلته المُعنونة بـ « التاريخ في مسكن الاستعارة » إلى المشي عبر قدمين: النقد والفلسفة. فكلّما تحدّث علوط عن مكامن التاريخ في الاستعارة إلاّ وخرج الخطاب النقديّ من عن مساره واتّجه صوب الفكر وأسئلته الفلسفية. فلا غرابة أنْ تأتي مراجع الباحث على شكل استحضار المتن الفلسفي في قراءة وتفكيك هذه العلاقة بين الشعر والتاريخ. ذلك أنّ الشاعر في نظره يعمل على « تجريد الشعر كواقعة تاريخية محايثة للواقع التاريخيّ » مُستنجداً بالدرس الهيدغري في فهم الشعر وكيف يُمكن أنْ يتبلور داخل كينونة التاريخ.

أما فيما يتعلّق بالجلسة الثانية التي سيّرها الدكتور خالد بلقاسم، والتي ابتدأت صباح يوم الخميس 2 مارس 2023 والمُتمحورة حول « الشعر والتاريخ: قضايا نظرية ونقدية » فقد تطرّقت محمّد بودويك إلى العلاقة بين الشعر والتاريخ من خلال جدل الطاعة والنشوز، مُبرزاً حدود التقاطع والتلاقي بين المجالين.

في حين ذهب الباحث محمّد الشرقاني الحسني إلى تقاطعات الشعري والتاريخي في الشعر المغربي الحديث، مُبرزاً مدى حضور التاريخ وتخييله عند كوكبةٍ من الشعراء، راصداً حدود التأثير والتأثر بين المعرفة التاريخيّة والمُمارسات الشعريّة في التجربة المغربيّة. مقابل ذهاب كل من الباحث المترجم أحمد لويزي والباحث محمّد الكنوني والشاعر والناقد نبيل منصر إلى الحديث عن « انتحار الشاعر على مذبح التاريخ » وقُدرة الشاعر على كتابة تاريخه الشخصي في القصيدة، بحكم أنّ الشعر لا يسعى دوماً إلى كتابة التاريخ العام، بقدر ما ينطلق من سراديب الجسد فيُحاول عبر اللغة الشعريّة إقامة نوعٍ من الانزياحات والتماهيات مع أحداث وواقعه تطال المجتمع. كلّ هذا لن يتأتى في نظر منصر إلاّ من خلال وعي الشاعر بتجربة ومفهوم الزمن في قصيدته.

أما الجلسة الثالثة حول « الشعر والتاريخ: مقاربات نصّية » والتي تم تسييرها من طرف الدكتور محمّد يعيش، والتي استهلّها الباحث أحمد هاشم الريسوني بحديثه عن مفهوم التاريخ داخل الكتابة الخلدونية، باعتبار أنّ التاريخ لا يعدو في ظاهره أنْ يكون مجرّد خبر، عاملة هذه المرّة على استقراء براديغم التاريخ من خلال الشعر، خاصّة في تجربة عبد الكريم الطبّال ومدى قُدرته على استحضار مدينة شفشاون في قصائده المتناثرة، ما يبرز في نظر الباحث المكانة التي غدا يختلّها التاريخ في الشعر، لكون الشاعر يستطيع القبض عن التاريخ داخل قصيدة، ما دام أنّ الشعر يتحدّث عن « الكليات والتاريخ عن الجزئيات » بسبب قُدرة القصيدة على اختراق الأزمنة التاريخيّة وتفتيتها وإعادة موضعتها وتخييل على جسد القصيدة.

هذا وقد وضّحت الدكتورة لطيفة بلخير مفهوم الشعر عند العرب القدامى، مُستثمرة المفهوم الذي كان قد سكّه ابن خلدون عن التاريخ منذ القرن الـ 13 عاملة من جهةٍ أخرى على استشكال التاريخ وميكانيزماته ومدى حضوره داخل الإليادة، مُبيّنة العلاقة الجدلية التي تنتسج بين الملحمة والأحداث التاريخيّة، وكيف تستطيع هذه الأخيرة التأثير في الأولى وتبني عوالمها وتجل منها مادّة حقيقية للكتابة والتخييل.

أمّا الباحث والمترجم محمّد آيت لعميم فإرتأى أن تكون مداخلته الوازنة حول « ملعبة الكفيف الزرهوني: معانقة الشعر للتاريخ التراجيدي » بعدما قدّم تحليلاً دقيقاً لهذه الملعبة وتاريخها وأهدافها وما تحتوي عليه من علاقة مع التاريخ، مُستهلاً حديثه عن أهمية المصادر الأدبيّة كوثيقة تاريخيّة بعد الدور الذي لعبته مدرسة الحوليات في توسيع الوثيقة التاريخيّة وفتحها على مصادر معرفيةٍ أخرى تجعلها في خدمة المعرفة التاريخيّة. لهذا اعتبر آيت لعميم بأنّ « الخيال يُمكن أنْ يكون خيطاً ناظماً للتاريخ » لهذا استلهم الشعر الكثير من الأحداث التاريخيّة وأعاد بناءها داخل نظام القصيدة. في حين ختم الدكتور عبد الفتاح شهيد الجلسة الثالثة بحديثه عن مفهوم التاريخانية الجديدة وقُدرتها على تجسير العلاقة بين النصّ وسياقه مُتحدّثاً بقوّة عن الشاعر الحطيئة وأهميته ومدى تلقّي شعره، بل وصورته التي رسمها له العديد من الشعراء القدامى.

جدير بالذكر أنّه إلى الجانب الأبعاد النظرية التي ميّزت أطوار الندوة، فقد اختتم بيت الشعر أيامه الدراسية بقراءة مجموعة من القصائد لمجموعة من الشعراء المغاربة الذي حضروا وشاركوا وساهموا في إعداد هذه الندوة.


تحرير من طرف أشرف الحساني
في 03/03/2023 على الساعة 14:30, تحديث بتاريخ 03/03/2023 على الساعة 14:30