تحقيق بالفيديو: النفايات الهامدة بالدار البيضاء.. ما خفي كان أعظم!

Le360

في 19/09/2020 على الساعة 16:39

فيديورصدت عدسات كاميرا Le360، الأسبوع الجاري، في مناطق متفرّقة من مدينة الدار البيضاء، انتشار نقطٍ لرمي نفايات بقايا البناء، يصفها أهل العاصمة الاقتصادية بـ"الكارثية"، بالنظر لتأثيرها على بيئة وجمالية المدينة. من يتحمّل المسؤولية؟ وما سبُل إنقاذ البيضاء من هذه المُعضلة؟ (تحقيق).

مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، التي تستقطب مئات السيّاح والمستثمرين من كافة بلدان العالم، تعيش، خلال الظرفية الراهنة، على صفيح ساخن، وذلك جراء الانتشار الواسع للنفايات الهامدة.

فريق عمل Le360، غاص في أعماق هذه المعضلة البيئية المتشعبة، مُحاولا الوصول إلى كافة الأطراف المتداخلة فيها، بداية من المجتمع المدني، مرورا بسائقي الدراجات النارية ثلاثية العجلات وسائقي الشاحنات، ووصولا إلى مسؤولي مجلس مدينة الدار البيضاء.

نفايات بقايا البناء الصُّغرى:

هذا النوع من النفايات، غالبا ما ينتج عن البنايات الصغيرة، التي يقوم أصحابها بتكسير جدران معدودة، ثم يربطون الاتصال بسائقي الدراجات النارية ثلاثية العجلات (التريبورتور)، الذين يعمدون إلى رمي تلك النفايات الهامدة ببعض النقط المنتشرة بمدينة الدار البيضاء، خصوصا بأحياء "درب غلّف" و"المعاريف" و"الحي المحمدي" و"رياض الألفة" وغيرها مما زارته كاميرا Le360 بحثا عن المعلومة الدقيقة.

سائقو "التريبورتورات"، ووفقا لما صرّح به أحدهم لـLe360، يَعلمون جيدا حجم الكارثة البيئية التي تتسبب فيها "سلوكاتهم"، لكنهم في الآن نفسه يشتكون من "عدم وجود مطرح رسمي بمدينة الدار البيضاء مُعد خصيصا لاستقبال النفايات الهامدة".

وقال المتحدث، بنبرة تملؤها الحسرة: "نحن نعلم مدى تأثر السكان بنفايات بقايا البناء المُلقاة على مقربة من منازلهم، لكن الحل ليس بأيدينا نحن المياومين، الحل بأيدي المسؤولين".

وأضاف: "نحتاح لمطرح نرمي فيه النفايات الهامدة بالمدينة، ونحن على استعداد لتأدية ألف فرنك (عشرة دراهم) أو أكثر".

وفي نفس الصدد، قال الفاعل الجمعوي، عضو جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة"، المهدي ليمينة، في تصريح لـLe360، متحدثا بلسان المجتمع المدني باعتباره "المُدافع المباشر" عن السكان المتضرّرين، إن مجلس مدينة الدار البيضاء يتحمّل المسؤولية الكاملة بسبب "تماطله" في تدبير المعضلة.

وأكد ليمينة أن المجتمع المدني سبق له أن راسل المسؤولين عن قطاع النظافة بمجلس المدينة لإقحام نقطة النفايات الهامدة في دفاتر التحمّلات الموقعة مع الشركات المُفوض لها تدبير قطاع النظافة، "لكن المعضلة ظلّت مُستمرة، ولا شيء تغيّر"، على حد تعبيره.

نفايات بقايا البناء الكُبرى:

الصنف الثاني من النفايات الهامدة، دائما ما ينتج عن هدم العمارات والبنايات الضخمة، ولا تتكلف الدراجات النارية ثلاثية العجلات بنقل حطامها، بل تُسند المهمة إلى الشاحنات.

كاميرا Le360، رافقت سائق شاحنة بشكل خفيّ، إلى ما يسمّى بـ"الكاريان"، وهو فضاء، تتراوح مساحته ما بين 8 إلى 10 هكتارات، "يحتلّه" أفراد يستقبلون النفايات الهامدة، مقابل مبالغ مالية، مُحدّدة في 50 درهما للشاحنات الصغرى، و100 درهم للشاحنات الكبرى، ثم 200 درهم للشاحنات الضخمة التي تُطلق عليها عبارة "الرموك".

ووفقا لمصدر عليم، فإن "كاريانات" مدينة الدار البيضاء، تلِج إليها عشرات الشاحنات من الاثنين إلى الجمعة، ويتخذها السائقون ملاذا لرمي نفايات بقايا البناء، مقابل المبالغ المالية المُشار إليها سلفا، والتي لا تُؤخذ عنها أي توصيلات.

إلى جانب ذلك، فإن بعض المناطق المُحاذية للدار البيضاء، كمديونة وبوسكورة مثلا، بدورها، توجد بها "كاريانات" لرمي النفايات الهامدة، يتجه إليها بعض سائقي الشاحنات تفاديا للازدحامات الحاصلة بـ"كاريانات" وسط المدينة.

وبشأن "الكاريانات" المُرخّض لها من لدن مجلس مدينة الدار البيضاء باستقبال النفايات الهامدة، فهي ثلاثة، وتتوزع بين مناطق النواصر ومديونة وبوسكورة، بضواحي البيضاء.

وفي رحلة بالكاميرا الخفية أيضا، إلى "كاريان" بمنطقة بوسكورة، رفقة سائق شاحنة، بدا الوضع مختلفا عن أجواء "كاريانات" وسط مدينة الدار البيضاء.

هذا "الكاريان" يضم طابقين اثنين، الأعلى مُخصص لاستقبال النفايات الهامدة، أما الثاني فيضم آليات ضخمة تعمل على إعادة تدوير وتصنيع تلك النفايات بغاية بيعها من جديد للعاملين في مجال البناء، والتي غالبا ما يحتاجونها في بناء "أساس" البنايات الجديدة.

فأصحاب "الكاريانات" يتقاضون أموالا عن استقبال النفايات من جهة، ثم ينالون أرباحا أخرى بعد إعادة تدويرها وبيعها.

نعود الآن إلى سائق الشاحنة، فبعد تخلّصه من النفايات الموضوعة على ظهر شاحنته، يعود ليصطف إلى جانب زملائه، وذلك بحثا عن زبناء جدُد.

من يتحمل مسؤولية انتشار نفايات بقايا البناء بالشوارع و"الكاريانات"؟ الكُرة الآن في نصف ملعب المسؤولين:

انتقلنا إلى مجلس مدينة الدار البيضاء، والتقينا بمحمد الحدّادي، نائب رئيس جماعة الدار البيضاء – المُكلّف بقطاع النظافة، الذي قال إن "الجماعة لا يُمكنها تحمّل معضلة النفايات الهامدة لوحدها، نظرا لكون المسؤولية مُلقاة على عاتق العديد من الجهات المسؤولة"، على حد قوله.

وأشاد الحدّادي بمجهودات وزارة الداخلية الرامية إلى إيجاد حل للحد من هذه المعضلة.

وأضاف أن "أول من يتحمّلون مسؤولية انتشار النفايات الهامدة هم مُنتجوها المقاولون"، مضيفا أن "سنة 2015 كانت استثنائية بالنسبة لجماعة البيضاء، إذ تكبدت عناء نقل 3.5 ملايين طن من النفايات الهامدة صوب أحد المطارح المُرخّصة".

وشدد المسؤول عن قطاع النظافة بالعاصمة الاقتصادية: "هذا أمر خطير للغاية".

واستدرك الحدّادي: "دفاتر التحمّلات الجديدة لا تنص على تحمّل مجلس المدينة مسؤولية حمل الأتربة، نحن نحمل نفايات بقايا بناء المنازل الصغيرة فقط، لكن لا يمكننا تحمّل مسؤولية نفايات ضخمة صادرة عن أشغال مقاولين كبار".

وأردف: "ففي سنة 2016 مثلا، تكبدنا عناء تأدية 11 مليار و100 مليون سنتيم مغربي لنقل نفايات خلفتها بنايات لمقاولين ذوي إمكانيات مادية كبيرة".

في المُقابل، صرّح كريم الكلايبي، عضو مجلس مدينة الدار البيضاء – عن المُعارضة، لـLe360، بأنه "من الواجب على المجلس تحمّل مسؤولية هذه النفايات الهامدة".

وأكد أن "هذه النفايات لا تدخل ضمن خانة النفايات الفيزيائية أو الكيميائية، أي أنها غير مُلوِّثة".

وتابع الكلايبي، قائلا إن "هذه النفايات كانت، في العهد السابق لمجلس مدينة الدار البيضاء، تدخل في إطار العمليات الحسابية لوزن الحمولة (الطوناج)، وكان ذلك بمثابة تحايل على ملايير الدراهم التي كانت تُؤدّى لشركات النظافة".

وأضاف عضو جماعة البيضاء أن "عدم إقحام نقطة النفايات الهامدة في دفاتر التحمّلات الموقعة مع الشركات المُفوّض لها تدبير قطاع النظافة هو بحد ذاته مشكل، فقد كان من الضروري على مجلس المدينة تفويض نفايات بقايا البناء لشركات محدّدة للحفاظ على بيئة الدار البيضاء".

كيف يؤطر القانون مسألة النفايات الهامدة؟

جوابا على هذا السؤال، قال الخبير العقاري إبراهيم جابر، في تصريح لـLe360، إن القانون 28.00 دقّق في مسألة النفايات الهامدة بشكل جيّد، إذ "يهدف هذا القانون إلى وقاية صحة الإنسان والوحيش والنبيت والمياه والهواء والتربة والأنظمة البيئية والمواقع والمناظر الطبيعية والبيئة بصفة عامة من الآثار الضارة للنفايات وحمايتها من كل النفايات التي لا تنتج أي تفاعل فيزيائي أو كيميائي؛ و تدخل في حكمها النفايات الناجمة عن استغلال المقالع والمناجم وعن أشغال الهدم أو البناء أو التجديد والتي لا تتكون من مواد خطرة أو من عناصر أخرى تتولد عنها آثار ضارة أو ليست ملوثة بها".

وأوضح الخبير العقاري، قائلا إن "المقاول، وعقب انتهائه من تجديد أو هدم بنايةٍ ما، فإنه سيكون من الواجب عليه مناداة شاحنة مُخصّصة لجمع نفايات بقايا الأوراش، لتعمل على نقلها صوب مطرح مُرخّص، مع تأدية المصاريف اللازمة، لضمان وضعها في ظروف غير مُضرة بالبيئة أو الصحة العامة".

هذا، ومن خلال الإحاطة بمُعضلة النفايات الهامدة بالدار البيضاء، تبقى المسؤولية مُلقاة في ساحة مجهولة، ولا تقبل أي جهة تحمّلها في الوقت الراهن، ليبقى السؤال المطروح باستمرار: "من يتحمل مسؤولية انتشار نفايات بقايا البناء بالعاصمة الاقتصادية للمغرب؟".

تصوير ومونتاج: سعد اعويدي

تحرير من طرف عالي طنطاني
في 19/09/2020 على الساعة 16:39