تراجع الشبيبات الحزبية.. تعددت الأسباب والغياب عن الساحة مؤكد

التنافس حول المقاعد البرلمانية دفع عددا من الأحزاب إلى التضحية بشبيباتها. DR

في 07/04/2024 على الساعة 13:00, تحديث بتاريخ 07/04/2024 على الساعة 13:00

هل تخلت الاحزاب عن الشبيبات التي كانت بمثابة معارضة داخلية؟ هل تعمدت اختيار « القتل الرحيم » لمكون يتحول إلى وجع في الرأس؟ كثيرة هي الأسئلة التي تفرض نفسها بعد أن لوحظ غياب هذا الرافد المهم من روافد الأحزاب الوطنية في زمن عزوف الشباب عن السياسة وما يرتبط بها. ووجه le360 الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح نتيجة تراجع دور هذا المكون من مكونات الأحزاب السياسية في المغرب طرحناها إلى المحللين السياسيين عبد العزيز قراقي، ومحمد شقير لتسليط مزيد من الضوء على الظاهرة، التي تعددت أسبابها، وتؤكد الغياب عن الساحة.

بالأمس القريب كانت أنشطة الشبيبات الحزبية تبعث رسائل اطمئنان وبارقة أمل في خضم ما يلاحظ حول عزوف الشباب عن السياسة، كما أنها كانت تلعب دورا مهما داخل الأحزاب، بل هناك من يسميها معارضة داخلية.

كما كانت تشكل مقياس لمعرفة استباقية لمعرفة مدى تفاعل مع بعض القرارات الحزبية أو المقترحات قبل خروجها إلى العلن.

الدور المعتاد للشبيبات

يؤكد عبد العزيز قراقي، الأستاذ الحامعي والمحلل السياسي أن الشبيبات الحزبية في المغرب « كانت لها عدة أدوار أبرزها :

تمكين الحزب فيما مضى من استقطاب مناضلين شباب يوفرون للحزب موارد بشرية يحكمها منطق التطوع؛

كما أن توفر الحزب على شبيبة كان يفيد أيضا أنه قادر على التنشئة السياسية وله امتدادات في صفوف الشباب ».

وأضاف أنه « مع مرور الوقت، وانطلاقا من طبيعة الشباب التي يطبعها الحماس والاندفاع، لم تعد الشبيبات تقبل ببعض المواقف التي تتخذها القيادات، فأصبحت أحيانا تجسد دور معارضة داخلية، ووصل الأمر أحيانا إلى التوفر على جريدة خاصة بالشبيبة الحزبية ».

غير أن ذلك يقول عبد العزيز قراقي « سرعان ما سيتراجع لتتحول الشبيبات إلى فضاء قد يسمح بالرقي السياسي، خاصة بعدما أصبح قانون الأحزاب يفرض مكانة للشباب في القيادات، فحل محل النقاش وإنتاج الأفكار والانخراط في المشاريع المجتمعية، البحث عن ولاء يسمح بالتموقع ».

وفي تعريفه لدور الشبيبات في فجر الاستقلال يقول المحلل السياسي محمد شقير: « خلال ستينات وسبعينيات القرن الماضي شكلت الشبيبات الحزبية المشتل السياسي للأحزاب في عملية استقطاب أتباعها وتكوين أطرها لتصبح مؤهلة لتقلد مهام القيادة الحزبية، إذ كانت شبيبات أحزاب خاصة أحزاب المعارضة آنذاك أحد أذرعها في مواجهة السلطة خاصة في الثانويات، وكذا الجامعات بالإضافة إلى استخدامها والاعتماد عليها في تأطير المظاهرات، التي كانت تنظم ضد السلطة. ولعل هذا ما دفع بأجهزة السلطة إلى ملاحقة بعض قيادات هذه الشبيبات والتي انتهى ببعضها إلى الاعتقال او حتى إلى الوفاة نظير كرينة باكادير ».

واستطرد كرينة قائلا: « يبدو أنه في بداية التسعينيات، وخلال الإعداد لمرحلة ما سمي بالتناوب بدأت الشبيبات تشكل معارضة لبعض الأحزاب، نظير الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إذ كانت قيادة الشبيبة الاتحادية، تنتقد وتعترض على مشاركة الحزب في تسيير الشأن الحكومي دون ضمانات سياسية واضحة، ما أدى إلى اصطدام محمد الساسي الكاتب العام للشبيبة آنذاك مع عبد الرحمان اليوسفي، الذي رد على موافقه وانتقاداته بأن أرض الله واسعة.

وقد توسع هذا الخلاف يضيف شقير « بعد أن رفض محمد حفيظ الكاتب العام للشبيبة الاتحادية تزوير نتائج انتخابية ورفض مقعده البرلماني. وبالتالي، فهذا التحول في مواقف الأحزاب، وتركيزها على الانتخابات جعلها تتخوف من شبيباتها، وتحرص على اختيار قيادييها من شخصيات مطواعة ومهادنة، ولو تعدى سنها الثلاثين سنة.

كما كانت في السابق تحرص أيضا على أن تكون مواقف شبيباتها موالية لموقف القيادات الحزبية، بل من الموالين لها والعمل على اختراق أجهزتها من خلال الدفع بالموالين لها لقيادة هذه الشبيبات. ولعل كل الوسائل حولت هذه الشبيبات إلى أجهزة موالية بدل أن تكون تنظيمات موازية ما انعكس على انشطتها واستقلاليتها وأثر على آليات استقطابها للشباب خاصة بعد ظهور أجيال جديدة من الشباب لها نظرتها الخاصة للعمل السياسي ونظرة سلبية بخصوص الممارسات الحزبية، وبالأخص سلوك القيادات الحزبية التي أدى تشبثها بكراسي القيادة، وتوالي تجديد ولايات رئاستها إلى عدم التماهي معها، ولا التجاوب مع خطاباتها السياسية ».

أسباب أخرى للتراجع

يلاحظ أن من بين أسباب تراجع الشبيبات، و« نهاية » توهجها اختيار الاحزاب وتفضيلها تزكية مرشحين للانتخابات قادرين على تمويل حملاتهم دور ولما طرحنا السؤال بهذا الخصوص قال محمد شقير: « بالنسبة للإجابة عن هذا السؤال يمكن القول إن تحول الأحزاب من تنظيمات لتأطير الشباب خاصة في مجتمع يشكل فيه الشباب أغلبية داخل الهرم السكاني إلى ماكينات انتخابية دفعها إلى البحث عن الاعيان الذين يمكن ان يمولوا حملاتهم الانتخابية، وأيضا تمويل الحزب بحثا عن حماية مصالحهم الشخصية، وفي الوقت نفسه ضمان مقاعد للحزب لتقوية تموقعه داخل المشهد السياسي ».

وأضاف المحلل السياسي: « لعل هذا الوضع دفع الأحزاب إلى التخلي عن الاهتمام بالشبيبات الحزبية، بل تحويلها إلى تنظيمات فارغة من كل روح شبابية مستقلة، من خلال عدم احترام سن ثلاثين سنة في الترشح وتجديد ولاية الاشخاص أنفسهم، وإملاء المواقف إلى غير ذلك من الأساليب التي جعلت هذه التنظيمات تهمش لصالح اعيان الانتخابات، الذين قد يوظفون الشبيبات في حملاتهم الانتخابية للدعاية لأشخاصهم بدل الدعاية للأحزاب ».

جوبان عن السؤال نفسه يقول عبد العزيز قراقي: « مما لاشك فيه أن الحياة السياسية المغربية شهدت تحولا كبيرا، فلم يعد التحكم القبلي في الخرائط الانتخابية موجودا، ثم إن التمويل الذي تمنحه الدولة بات يفرض على الأحزاب السياسية إيلاء أهمية كبرى للانتخابات، والفوز بالمقاعد والحصول على أكبر عدد من الأصوات، وما دامت ظاهرة الأعيان من خصوصيات المجتمع، فإن الأحزاب رأت فيها موردا بشريا مهما يسمح للأحزاب رفع حظوظها في الفوز بالمقاعد الانتخابية، ومن تم تراجع الاهتمام بالشبيبات التي كانت تقوم بدور حاسم في الانتخابات من حيث مؤازرتها للمترشحين، وتمكينهم من موارد بشرية تتقاسم معهم منظومة القيم نفسها، ليعوض ذلك بمأجورين مؤقتين يشتغلون مقابل أجر دون أن يكون هناك أي تشارك أو تقاسم على مستوى البعد القيمي. ثم إن الشبيبات الحزبية هي التي كانت تضمن للأحزاب الوجود في الكثير من الفضاءات العمومية مثل الجامعات، ولعل هذا ما يفسر تراجعها على هذا المستوى، إذ بات دورها ضعيفا هناك، ولم تعد برامجها أو أفكارها تحظى بالإغراء في أوساط أغلب الشباب الجامعي ».

سبل اعادة الشباب الى الواجهة السياسية

عبد العزيز قراقي أننا « اليوم في حاجة إلى شبابنا على كافة المستويات، بما في ذلك المستوى السياسي، ويبدو لي أنه آن الأوان لرفع الوصاية عنه، وتمكينه من لعب دوره كاملا خاصة على مستوى التحولات الكبرى، وفي الحقيقة عندما تجد زعيم حزب في بعض الدول المجاورة ما يزال شابا، تشعر بالفارق الحقيقي على مستوى الممارسة السياسية في حين مازلنا نحن نجتر كلاما يسعى للتبرير. وأظن أننا اليوم في حاجة إلى استراتيجية حقيقية للشباب نتوخى من خلالها إصلاح هذه الاختلالات ».

ويقول محمد شقير: « بالنسبة لهذا السؤال يبدو أن ارجاع الشباب إلى الواجهة السياسية يتطلب في البداية إرادة سياسية واضحة تنبني على القطع مع الثقافة الأبوية التي تكرس معيار السن والتجربة، والتشيك في قدرات الشباب، وعدم اعطائهم أي فرصة للظهور وإثبات ذواتهم خاصة في مشهد سياسي محتكر من طرف قيادات لا ترغب في التنازل عن مناصبها القيادية، حتى لو أدى ذلك إلى عدم احترام آليات الديمقراطية الداخلية ».

وختم بالقول « إن إرجاع الشباب الى المشهد السياسي يتطلب بالأساس تجديد الخطاب السياسي لمختلف مكونات المشهد الحزبي، وكذا تشبيب القيادات الحزبية، لضمان التماهي بين القيادات الحزبية وفئات الشباب، إضافة إلى ضرورة البحث عن آليات جديدة للاستقطاب، والتواصل مع الأجيال الشابة التي لها ميولاتها ومطالبها الخاصة، التي تركز على الملموس بدل الايديولوجيا فهي أجيال براجماتية بامتياز. كما ينبغي إعادة النظر في هيكلة الشبيبات باستبدالها بهيكلة تتفادى التنظيم البيروقراطي والهرمية الابوية ».

تحرير من طرف حسن العطافي
في 07/04/2024 على الساعة 13:00, تحديث بتاريخ 07/04/2024 على الساعة 13:00