لماذا سُحبت تظاهرة عاصمة الثقافة الإفريقية 2020 من مراكش؟

DR

في 25/01/2020 على الساعة 21:25

بعدما فقدت مراكش شرف احتضانها لحدث "عاصمة الثقافة الإفريقية 2020"، سمعنا الكثير من الأشياء. بين الهذيان ونظريات المؤامرة، الكل يقدم تفسيره الخاص، وهو ما تسبب في خلق حالة من الارتباك التي وصلت حتى الصحافة الدولية. وفيما يلي الحقيقة كما هي.

"أشعر بالأسف الشديد وأنا أعلن لكم أنه تقرر (لأسباب غير مفهومة) وبعد عدة أشهر من الإعداد المكثف، أن نسحب المدينة الحمراء ترشيحها لفائدة الرباط"، هذا ما كتبه قبل يومين الرئيس الشرفي للجنة "مراكش 2020"، الرسام والكاتب ماحي بنبين.

قبل ثمانية أيام من إطلاق الحدث، المقرر يوم 31 يناير 2020، أحدث هذا الإعلان الشخصي رجة قوية، خاصةً وأن صمتا رهيبا ساد بعد هذا الإعلان، وهو ما أفسح المجال لجميع الافتراضات الغريبة وأحيانا حتى الاتهامات غير المبررة.

مهدي قطبي، رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف، سيدفع ثمن خيال بعض عشاق نظرية المؤامرة. "يبدو أنها حرب بين جماعات في أعلى هرم المؤسسات الثقافية في البلاد. يزعم البعض أن مهدي قطبي هو سبب هذا التغير"، هذا ما كتبه موقع إلكتروني.

وتنفي الأطراف المعنية وجود أية مواجهة مباشرة أو غير مباشرة. "أنا لست في حالة حرب مع أي شخص وليس لدي أي عداء تجاه أي شخص. لقد اطلعت على نقل عاصمة الثقافة الإفريقية من مراكش إلى الرباط من خلال الصحف"، هذا ما أكده لنا مهدي قطبي الذي يبدو مشغولا بشكل خاص هذه الأيام على افتتاح متحف التصوير الفوتوغرافي الجديد في الرباط والمعرض المقبل في متحف محمد السادس والمخصص للرسام دولاكروا. 

نفس الموقف عبر عنه ماحي بنبين، الذي ساءته الأشياء التي قيلت في حق مهدي قطبي ويرى أن "هذه الاتهامات الموجهة له غير منصفة بالمرة".

هذه هي الإشاعات التي راجت بشأن هذا الموضوع... ولكن ماذا عن الأسئلة المهمة التي أثارها هذا التغيير في اللحظة الأخيرة؟ ما الذي يفسر هذا التراجع؟

رسالة القطيعة

عبر ماحي بنبين عن غضبه قائلا: "عمدة مدينة مراكش وجه رسالة بشكل فجائي إلى منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة، يعلن فيها أنه يسحب ترشيح المدينة لصالح الرباط وأن عمدة مدينة الرباط أرسل في أعقاب ذلك رسالة يعبر فيها عن قبولها أن تكون عاصمة الثقافة الأفريقية. إنه قرار سخيف.. لا نعرف من أين أتى".

ومع ذلك، تامر خالد يخفف من حدة تصريحات ماحي بنبين. وقال هذا العضو باللجنة التوجيهية والمدير العام لبرنامج عواصم الثقافة الأإفريقية، بدعم من المدن والحكومات المحلية المتحدة في إفريقيا (UCLG Africa): "أرادت المملكة المغربية أن تكون الرباط بدلا من مراكش. لذلك علينا أن نسير في هذا الاتجاه. سياسيا أنا لا أعرف شيئا. الأمر الإيجابي هو أنه يبقى دائما في المغرب".

وأضاف تامر قائلا: "أنا أتفهم الحزن الذي أصاب البعض، لكن الأمر ليس نهاية العالم. كان يمكن أن يكون الوضع أسوأ إذا لم تكن اللجنة جاهزة". وختم بالقول: "شيء إيجابي يجب استخلاصه من كل هذا. إفريقيا ليست سهلة. علينا أن نظهر تضامننا مع بعضنا البعض. لنبقى إيجابيين!".

تصريحات جان بيير إلونغ مباسي، رئيس اللجنة التوجيهية لبرنامج العواصم الأفريقية للثقافة والأمين العام للمدن والحكومات المحلية المتحدة في إفريقيا، سارت في نفس المنحى. فرسالة الانسحاب الشهيرة من مراكش التي بعث بها عمدة مراكش وجهت إليه. وبالتالي يمكنه التحدث عنها بشكل أفضل.

وأوضح قائلا: "لقد كان انتخاب مراكش موضوع قرار جماعي داخل اللجنة المنظمة في 21 نونبر 2018"، مشيرا إلى أن اختيار مراكش تم التصديق عليه من قبل اللجنة نفسها، بعد التصويت من قبل 3000 رئيس بلدية أفريقي على مبدأ انتخاب عاصمة الثقافة الأفريقية. على عكس ما تم ترويجه في بعض الأحيان، لم يتم انتخاب مراكش من قبل 3000 من رؤساء البلديات، لكن تم تقديم ترشيحها إلى لجنة مؤلفة من شخصيات ثقافية أفريقية يرأسها الكاميروني جان بيير إلونغ مباسي ويديرها المغربي تامر خالد.

وأضاف: "لقد بدأنا في الترويج لهذه الفكرة (المشروع) وتلقينا في وقت متأخر-ويجب أن أقول ذلك-رسالة من عمدة مدينة مراكش يقول فيه إنه لم يعد قادرا على استضافة هذا النشاط في مراكش، بالنظر لحجم الحدث وما يستتبع ذلك من التزامات".

وقد علمنا من جان بيير إلونغ مباسي أن ميزانية هذا الحدث تقدر بـ 10 ملايين أورو، أي أكثر من 105 مليون درهم. من هذا المبلغ، كان هناك وعد بأن مدينة مراكش ستقدم مليون درهم وجهة مراكش-آسفي مليون درهم أخرى. هذا يعني أنه قبل ثمانية أيام من إطلاق أنشطة مراكش عاصمة الثقافة الأفريقية 2020، كانت اللجنة المنظمة تملك أقل من 2 في المائة من التمويل. سوف نعود إلى هذا الأمر لاحقا.

أما فيما يتعلق باختيار مدينة الرباط، أوضح لنا جان بيير إلونغ مباسي أنه لم يكن على اتصال مع أحد.

وقال موضحا: "تفسيري لكل ما جرى هو أن هذا الحدث يجب ألا يغادر المغرب. لذلك أستطيع أن أقول إن لدي رسالة سحب ترشيح ورسالة ترشيح ".

هل تنجح الرباط حيث فشلت مراكش؟ لمعرفة ذلك، سيكون من الضروري الانتظار حتى 4 فبراير، موعد اجتماع اللجنة المنظمة للبت في القضية. ولكن هل اختيار المدينة سيكون موضوع تصويت؟ "بكل تأكيد!" يؤكد ماحي بنبين. وأضاف هذا الأخير قائلا" "لست متأكدا من أن ترشيح الرباط سيقبل!".

مع ذلك، يجب أخذ هذا الرأي بتحفظ شديد بالنظر إلى صمت رئيس اللجنة بشأن هذه المسألة أو رد فعل وزير الثقافة والشباب والرياضة، الناطق باسم الحكومة، حسن عبيابة، الذي صدر يوم الخميس في الرباط: "نقل تظاهرة عواصم الثقافة الإفريقية من مراكش إلى الرباط أملته اعتبارات تدبيرية وتقنية لتوفير إمكانيات وفرص نجاح تظاهرة من هذا الحجم تتميز بمشاركات دولية".

الأسباب المحتملة لنقل هذا الحدث

من المؤكد أن هذا الإعلان كان صادما، خاصة وأنه يأتي بعد ثمانية أيام فقط من انطلاق الحدث. ومع ذلك، إذا تراجعت مدينة مراكش، فمن المحتمل جدا أن الميزانية الضخمة للمشروع وتنظيمه لم تكن موضوع إعداد دقيق.

وقال مصدر مطلع طلب عدم الكشف عن هويته: "يبدو الأمر كما لو أنه بعد الإعلان عن الحدث وتغطيته الإعلامية، ستسقط الأموال من السماء أو من الرباط"، مضيفا "ما جاء من الرباط هو ريح غضب مفهومة للغاية. لأنه كيف يمكن تقديم ملف دون توفير وسائل لتحقيقه!".

وقد تم بالفعل توقيع اتفاقيتين "أحدهما مع مجلس المدينة والأخرى مع مجلس الجهة"، بحسب ما أوضح جان بيير إلونغ مباسي، ولكن لم يتم دفع أي مبلغ للمنظمة.

وأوضح قائلا: "الاتفاقيات التي وقعناها مع مدينة مراكش ومع الجهة غطت ما يقرب من 200 ألف أورو. يتعلق الأمر باتفاق يمكن المجموعات من بدء العمل".

أما ماحي بنبين فأوضح قائلا: "لقد عملنا بالوسائل المتاحة في انتظار التزام من الدولة. لقد كانت هناك وعود، لكننا اضطررنا لشراء تذاكر الطائرة، ودفع أسعار الفنادق، وأشياء من هذا القبيل. لقد عملنا بلا فائدة. لقد دفعت تذاكري من حسابي. كنا في مرحلة الإعداد، لذلك لم يكن لدينا رواتب".

ما هي ميزانية هذا الحدث؟

إذا كان ماحي بنبين يقدر تلك الميزانية بين "50 و60 مليون درهم"، فإن جان بيير إلونغ مباسي تحدث عن رقم أكبر من ذلك، وقال: "الميزانية الإجمالية للمشروع تبلغ حوالي 10 ملايين أورو بالنسبة للحدث برمته".

وأضاف: "من الواضح أن هذا المبلغ لا يمكن أن يساهم فيه مجلس الجهة ومجلس مدينة مراكش. من المحتمل جدا أن يكون حجم الأموال التي يتطلبها هذا الحدث هو الذي دفع مراكش إلى التراجع".

ولكن إذا كان الفريق المنظم في شخص رئيسه يدرك تماما أنه لا المدينة ولا الجهة لم يكن بإمكانهما جمع مثل هذا المبلغ، فمن سيكون المسؤول عن العبء المالي الهائل لهذا الحدث؟

وهنا أيضا يوضح لنا إلونغ مباسي هذا الأمر قائلا: "بالنسبة للباقي، كان علينا أن نشمر عن سواعدنا، ونبرم شراكات يفرضها تنظيم هذا النوع من المشاريع".

بصرف النظر عن هاتين الاتفاقيتين، لم يتم توقيع أية اتفاقيات أخرى مع مؤسسات أخرى على الرغم من الاجتماعات مع "وزارات الداخلية والثقافة والسياحة والشؤون الخارجية"، وفق رئيس منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة-أفريقيا.

تساؤل آخر يطرح بشأن الرعاية الملكية السامية الذي يعطى من حيث المبدأ إلى تظاهرات من هذا الحجم والتي تنظم بالمغرب.

وقال إلونغ مباسي بهذا الخصوص: "لقد تقدمنا بطلب للحصول على الرعاية السامية وكنا في انتظار ذلك. لقد نظمنا قمة المدن الإفريقية مرتين في المغرب ونعرف جيدا الإجراءات. تم تقديم الملفات كما يجب أن تكون. لكن لم نتلقى ردا". يمكن القول بأن عدم الاحترافية هو الذي طبع تنظيم حدث من هذا الحجم من دون التوفر على شروط إنجاحه.

تحرير من طرف عبير
في 25/01/2020 على الساعة 21:25