تغيير مواقف الدول الغربية إزاء قضية الصحراء المغربية وتأثيره على خصوم الوحدة الترابية للمغرب

DR

في 15/04/2024 على الساعة 11:06

حقق المغرب اختراقا دبلوماسيا مهما لصالح وحدته الترابية، وأثمرت السياسة الخارجية للمغرب في السنوات الأخيرة الكثير. ولعل انضمام دول الولايات المتحدة الأمريكية إلى صف المعترفين بسيادة المغرب على صحرائه، واحدا من أهم وأكبر النجاحات التي حققها المغرب في سعيه إلى إنهاء مشكلة عمرت أكثر من اللزوم. وفضلا عن الولايات المتحدة تساند الموقف المغربي عدة دول أوروبية تعتبر مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب أفضل الحل القابل للتطبيق.

فبعد ألمانيا وإسبانيا وبلجيكا بعثت فرنسا رسائل مهمة عبر التخطيط للاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمملكة، كما أن التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الفرنسيون بخصوص المغرب ووحدته الترابية ضربت الخصوم في مقتل وخلطت أوراقهم.

وأكد بوسلهام عيسات الباحث في الدراسات السية الدولية لـle360 « أن توالي سلسلة المكتسبات الدبلوماسية التي أضحت تحققها المملكة المغربية إزاء قضية الصحراء، سواء تعلق الأمر بإقرار مغربية الصحراء أو بالإشادة بمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب كحل وحيد جدي وذي مصداقية لقضية الصحراء المغربية، أو بدعم مسار التنمية الاقتصادية والإشعاع الإقليمي والقاري للأقاليم الصحراوية التي جعلت المملكة في قلب التأثير الجيو-اقتصادي والسياسي في محيطها القاري والإقليمي والدولي، قد أصاب خصوم الوحدة الترابية للملكة بــ »هذيان مرضي »، خصوصا القيادة الجزائرية ودبلوماسيتها الرسمية، ما نتج عنه حدوث تشوش في التفكير ونقص في الوعي بالبيئة المحيطة بها التي تتسارع فيها الأحداث وموازين القوى الإقليمية، إذ أصبحت فيها حقيقة تاريخية مغربية الصحراء ومأسسة مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها حلا واقعيا وقابلا للتطبيق، قناعة راسخة لا بديل ولا حل ولا تفاوض إلا في ضوئها.

كما أن المملكة المغربية بفضل النهج الدبلوماسي الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس، أصبحت قوة إقليمية متزنة، ولها مصداقيتها المعترف بها سواء تعلق الأمر بصدقية المبادرات التي تقودها وتكون طرفا فيها أو تدعهما ».

وقال بوسلهام عيسات إنه « من أجل تبيان « الهذيان المرضي » الذي أصاب السلوك والفعل الدبلوماسي الجزائري، لا بأس أن نتوقف عند تحليل جانب من هذا السلوك من خلال الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى تتمثل في كون « أولى تجليات الهذيان المرضي الذي أصاب القيادة الجزائرية تظهر بشكل خاص والنظام بشكل عام، بمحاولة دس الدسائس وخلق نوع من الفتنة في العمل العربي المشترك بمحاولة إقحام جامعة الدول العربية في ملف الصحراء المغربية، والسعي إلى زرع الفتنة والأزمة في ما يخص العلاقات المغربية- الموريتانية سيما بعد التقارب الأخير واصطفاف دول الساحل (النيجر- مالي- بوركينافسو) والتفاها حول نحو مبادرة ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي التي تعتبر موريتانيا حلقة أساسية داخلها.

أما الملاحظة الثانية فهي « إعلان الرئيس الجزائري عن خلق « كيان مغاربي » في تصريح رسمي مؤكدا عدم وجود أي مجموعة بشمال افريقيا على غرار المجموعات التي تتألف منها افريقيا، متناسيا أن الجزائر تعتبر عضوا مؤسسا إلى جانب الأشقاء في دول المغرب العربي لاتحاد المغرب العربي، الذي يؤدي جميع أعضائه المؤسسين مساهماتهم باستثناء الجزائر، ويوجد مقر أمانته بالرباط، وهو الهذيان الذي جلب عليه وابلا من التصريحات سواء من قبل المسؤولين الليبيين أو الموريتانيين أو من قبل فعاليات تونسية تؤكد بأنه لا وجود لأي كيان جديد إلا في « مخيال » القيادة الجزائرية ونظامها الجريح.

هاته القيادة التي أصبح سلوكها الدبلوماسي قائما على ردود أفعال ارتجالية غير مؤسسة على نسق وعقيدة دبلوماسية متزنة ومتبصرة ».

أما الملاحظة الثالثة فيعتبر باحث في الدراسات السياسية والدولية أنها تتجلى في " مسارعة الجزائر إلى الإعلان عن التنسيق مع الرئيس الفرنسي (الاتصال الهاتفي) بخصوص زيارة الرئيس الجزائري لفرنسا، بناء على إعلان من قبل رئاسة الجمهورية بتاريخ 11 مارس 2024 ونشره في التاريخ نفسه من قبل وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، أي بعد أربعة عشر يوما من تاريخ زيارة وزير الخارجية الفرنسي للمغرب والإعلان عن خطط مستقبلية للعمل المشترك مع التذكير بأهمية العلاقات المغربية الفرنسية، فهذا مؤشر على المحاكاة التي ينهجها الخط الدبلوماسي الجزائري باقتفاء أثر الدبلوماسية المغربية بنهج سلوك مضاد، وكذلك الخوف من أي ترتيب مسبق لزيارة للرئيس الفرنسي للمغرب قبل الجزائر ».

ومضى موضحا « غير أنه وفي ضوء هذه المناسبة، والمناسبة شرط، فحري بالذكر أن نرفع لبس الفهم للنظام الجزائري وأن نميط اللثام عن أي خطل أو هذيان في الـتأويل و غبشٍ في التفسير، بأن جلالة الملك يعتبر قائدا وموجها للدبلوماسية الخارجية، وبأن الخطب الملكية تشكل مرجعية أساسية ولبنة من لبنات البناء الدبلوماسي الوطني، لذلك فقد أكد جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، " ...أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وبأنه المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات... »، وهو ما يفيد بأن هذه المرحلة الجديدة للعلاقات المغربية الفرنسية لن تنزاح ولن تنحرف عن هذا المنظار المرجعي الذي أقره جلالة الملك، والقائم على تقييم أي شراكة أو تعاون انطلاقا من مغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع المفتعل ».

أما في ما يخص الملاحظة الرابعة فقال: « ارتباطاً بالتيمة المومأ إليها في الملاحظة الثالثة، نحيط علما بزيارة الوزير المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية والاستقطاب الاقتصادي والفرنكوفونية وفرنسيي الخارج الذي أكد خلال زيارته للمغرب بأن « فرنسا ترحب بجهود المغرب في مجال الاستثمار في الصحراء، وبأن بلاده مستعدة لمواكبة هذه الجهود »، كما أكد وزير الخارجية الفرنسي « لقد ذهبنا أبعد من ذلك حيث أننا سنحضر فاعلين عموميين لتنمية الصحراء المغربية ».

ويبدو من خلال المواقف والتصريحات المشار إليها، أنها تنسجم مع المنظار المرجعي الذي أقره وشدد عليه جلالة الملك والذي يؤكد أن صدق أي شراكة لا يمكن قياس نجاعتها إلا في ضوء ملف الصحراء المغربية. وهو الأمر الواضح الذي نفهم من خلاله بأن قصر الإليزيه قد استوعب جيدا بأن المضي قدما في أي علاقة استراتيجية للتعاون المتعدد المجالات لن يتحقق إلا بخروجها من المنطقة الرمادية إزاء قضية الصحراء المغربية ».

وختم بوسلهام حديثه لنا بالتأكيد أنه « من نافلة القول، يمكن التوصل إلى أن القيادة الجزائرية، لم تفهم بأن موازين القوى قد تغيرت، وبأن واقعية مغربية الصحراء حقيقة تاريخية تعكس تعلق مواطني الصحراء المغربية وشيوخها وأعيانها بعرشهم عبر رابطة البيعة؛ التي لم تستوعب بعد مدلولها وماهيتها.

كما أنه في ضوء هذه المتغيرات التي باتت تشهدها القضية الوطنية يتعين على النظام الجزائري إعادة النظر في تصوره، بناء على المتغيرات الواقعية وأن يتجاوز سياسة الكيل بمكيالين وأن ترتقي قيادته بسلوكها الدبلوماسي وبخطابها السياسي المغلف بحالة الهذيان المرضي، نحو سلوك دبلوماسي متزن قائم على خدمة مصالح شعبها وتنمية إقليمها والمشاركة في العمل الجماعي المشترك لتنمية إفريقيا، بدل التركيز على زرع الدسائس والفتن وتغذية نعرات التفرقة والعنف والتطرف ».

تحرير من طرف حسن العطافي
في 15/04/2024 على الساعة 11:06