تحليل. أطباء أجانب يستثمرون في المغرب: بأي ثمن؟

DR

في 22/04/2021 على الساعة 18:00

بعدما رفض لمدة طويلة، وخاصة من قبل مهنيي الصحة والمصحات الخاصة، أصبح مشروع انفتاح ممارسة الطب أمام الطاقات ورؤوس الأموال الأجنبية يشق طريقه بثبات. فيما يلي أهداف هذا المشروع وشروطه وضماناته.

طرح المسار منذ إطلاق الملك محمد السادس، يوم الأربعاء 14 أبريل بالقصر الملكي بفاس، لبرنامج تعميم الحماية الاجتماعية والتوقيع على ثلاث اتفاقيات-إطار تهم تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض. وقد أكده وزير الصحة خالد آيت طالب خلال اجتماع المجلس الحكومي الأخير الذي عقد يوم الثلاثاء 20 أبريل بالرباط. إن الإصلاح الشامل للنظام الصحي الذي ينطوي عليه البرنامج الملكي يمر بالضرورة عبر الانفتاح على كل الطاقات ورأس المال الأجنبية.

كانت تطرح هذه الفكرة لفترة طويلة على شكل بالون اختبار، وكانت دائما تواجه مقاومة من مهنيي الصحة ولوبي المصحات الخاصة. ولكن في مواجهة الضرورة الملحة للإصلاح الذي غالبا ما يبدأ، ولكن لا يتجسد على أرض الواقع، فضلاً عن النقص الصارخ في الأطقم الطبية التي تعاني منها المؤسسات الصحية المغربية وفي الاستثمارات الخاصة الكبيرة التي بإمكانها أن تشكل قاطرة لتطوير القطاع، فإنه لم تعد هناك حاجة للتسويف أو المماطلة.

تجنب الإعصار

يبلغ العجز في الموارد البشرية الطبية في المغرب نحو 32400 طبيب وما لا يقل عن 65 ألف ممرض وتقني. وتتوفر المملكة على حوالي 28 ألف طبيب في المجموع، أي 7 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، بعيدا عن الحد الأدنى الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية، التي تحدده في 15 طبيبا لكل 10000 نسمة. "في فرنسا، حيث يوجد 250 ألف طبيب، كان هناك الآلاف، قبل جائحة كوفيد-19، يتظاهرون ليقولوا إنهم مثقلون بالعمل بسبب نقص الأطر. فما بالك بالأطباء المغاربة، خاصة في القطاع العام، الذين سيرون موجات جديدة من المستفيدين من التأمين الصحي الإجباري؟ إنه الإعصار بكل تأكيد"، هذا ما قاله بتهكم علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة.

وينضاف إلى ذلك العديد من التناقضات والمفارقات. نلاحظ حقيقة أن 53 في المائة من الأطباء، والغالبية العظمى منهم تكونوا في القطاع العام، يمارسون… في القطاع الخاص. "ناهيك عن حقيقة أنه بينما يجب مضاعفة عدد الطاقم الطبي الحالي ثلاث مرات لتلبية معايير منظمة الصحة العالمية، فإن عدد الأطباء الذين تكونهم الدولة لن يتمكن حتى من تغطية العدد من الأطر التي ستحال على التقاعد، وذلك في المستقبل القريب جدًا. 36 في المائة من الأطباء الممارسين في القطاع العام، حتى لا نتحدث سوى عن هذا المؤشر فقط، تزيد أعمارهم عن 51 عاما"، كما يقول الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والأنظمة الصحية.

والأسوأ من ذلك أن عشرة آلاف طبيب مغربي يمارسون المهنة في الخارج، خاصة في فرنسا وألمانيا وكندا. كل عام، يغادر ما معدله 800 (من أصل 2000 خريج) المغرب إلى آفاق أخرى. وهو أمر تستفيد منه الدول المضيفة حيث تبلغ تكلفة تكوين الطبيب حوالي 330 ألف يورو (3.5 مليون درهم) كما هو الحال في فرنسا.

نفس الحقوق.. نفس الالتزامات

الوزير الوصي على القطاع كان واضحا خلال انعقاد مجلس الحكومة الماضي. وصرح قائلا: "حتى الآن، عرف القطاع إصلاحات متتالية، لكن دون أي تأثير حقيقي على النظام الصحي. خاصة أن هذا النظام يعاني من عجز في الموارد البشرية والتوزيع الجهوي لا يزال غير متوازن". وأعلن عن رفع القيود المتعلقة بممارسة الطب من قبل الأجانب، المنصوص عليها في القانون 13-131. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه كان هناك دائما استثناء سعيد، وهو استثناء الأطباء السنغاليين. وذلك بموجب اتفاق يعود تاريخه إلى مارس 1964 ويقضي بأنه بإمكان مواطني كل من المغرب والسنغال الولوج بحرية إلى الوظائف العمومية في الدولة الأخرى.

سيصبح هذا الاستثناء من الآن فصاعدا هو القاعدة. من الناحية التقنية، سيعامل الأطباء الأجانب على قدم المساواة مع زملائهم المغاربة. وفي هذا الإطار، فإن الوزارة الوصية تعد بتثمين أفضل للموارد البشرية في الوظائف الطبية. ويتعلق الجزء الآخر من هذا الانفتاح بالاستثمارات الأجنبية في المجال الطبي في المغرب، وهو ما سيشكل رافعة حقيقية للتنمية والقدرة التنافسية للقطاع بأكمله.

وبصرف النظر عن سد الخصاص الكمي للأطباء ومهنيي الصحة، يهدف الإجراء أيضا إلى سد الفوارق المسجلة بين الجهات. في الوقت الحالي، يعمل 39 في المائة من أطباء في القطاع العام في محور الرباط-الدار البيضاء. كما يهدف إلى استقطاب الكفاءات وجلب الهياكل عالية المستوى، القادرة على إطلاق دائرة حميدة في مجال نقل التكنولوجيا والمعرفة.

على الورق، يبدو المشروع جذابا. لكن الممارسة هي شيء آخر.

ضرورة الشفافية

يقول الطيب حمضي: "غني عن القول إننا بحاجة إلى استثمار أجنبي. لكن عندما نعلم أن الإصلاح السابق، إصلاح 2015، الذي تم تمريره بصعوبة وفتح القطاع الصحي للمستثمرين الوطنيين من غير الأطباء، لم يحقق الشيء الكثيرا، وهو الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة. حاليا، ثلثي المصحات الخاصة تم إنشاؤها من قبل أطباء".

بعد مناقشات محتدمة باسم تسليع مهنة الطب، تمخض الجبل فأنجب فأرا. إذا لم يجرؤ رأس المال المغربي على الاستثمار في القطاع فماذا عن الرأسمال الأجنبي؟. يؤكد هذا الطبيب قائلا: "نفس الأسباب يمكن أن تؤدي إلى نفس الآثار. يجب إدخال قواعد الشفافية وحقيقة الأسعار، بعيدا عن ممارسة "النوار" في مجال الطب. يجب تقديم تأمينات للربح بعيدا شيكات الضمان المخزية. هناك حاجة إلى مراجعة معايير الفوترة، والتعريفات المرجعية الوطنية، ومصنف أعمال التحاليل البيولوجية الطبية، والتي لا تعكس على الإطلاق التكلفة الحقيقية لبعض العلاجات. هذه هي أوجه القصور الهيكلية التي يجب معالجتها إذا كنا نريد حقا التقدم حقا في هذا المجال".

بهذه الطريقة فقط يمكن للمغرب أن يجلب الاستثمار الأجنبي. غير أن علي لطفي يشير إلى أنه "سيكون من الضروري بأي ثمن أن يحترم الجميع القواعد نفسها. إنها مسألة سيادة الدولة وحق كل فرد في الصحة".

سيكون المكسب بعد ذلك مهما ولن يكون أكثر ولا أقل من جلب تجربة وخبرة جديدة إلى القطاع لصحي المغربي. "اليوم، 95 في المائة من المصحات الخاصة في المغرب بها أقل من 25 سريرا. نحن بحاجة إلى استثمارات كبيرة لنكون مثالا يحتذى به ويجب أن أعترف أننا نفتقر إلى المهارة في هذا المجال"، يوضح مدير مصحة خاصة الذي يؤكد أن "هناك مجالات تفوق غير مستكشفة في المغرب، مثل التقنيات الثلاثة (Health-tech وMed-tech وBio-Tech) بالإضافة إلى الصحة الإلكترونية (E-health)، والتي يمكن أن تساعد فيها الهياكل الكبيرة الدولية للصحة".

الآراء المتعلقة باستخدام الخبرة الأجنبية مواتية أيضا. قال أحد الذين سألناهم عن الموضوع: "سوف يستغرق الأمر عقودا قبل أن نتمكن من تكوين عدد كاف من الأطباء والممرضات لتلبية احتياجات بلد يتزايد عدد سكانه ويتزايد فيه عدد المسنين". في المقابل، يوجد في المغرب خمس كليات طب تابعة للقطاع العام وثلاث كليات طب خاصة. يقول علي لطفي: "وهناك، لا يزال العدد الأكبر من الأطر الطبية يتخرجون من كليات الرباط والدار البيضاء".

لذلك فإن استقطاب المهارات الأجنبية هو مسألة ملحة. ومع ذلك، يجب إعطاء الأولوية ليس للمدن الكبيرة ولكن للجهات. يقول الدكتور حمضي: "لهذا، يجب أن نخلق بيئة مناسبة، بظروف عمل وأجور مناسبة، قادرة ليس فقط على جذب الأطباء من أماكن أخرى، ولكن أيضا للحفاظ على المغاربة واستعادة كفاءاتنا من الخارج". وإلا فإن الخطر كبير: أن المغرب سيتحول، بالنسبة للوافدين الجدد، من بلد مضيف إلى بلد عبور... مرة أخرى نحو أوروبا.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 22/04/2021 على الساعة 18:00