هذه دواعي الغضبة الملكية التي شملت الوزراء والأحزاب السياسية!

MAP

في 26/06/2017 على الساعة 17:41

جاءت لهجة بلاغ القصر الملكي يوم أمس قوية وبصرامة غير مسبوقة، فالبلاغ وصل حتى منع الوزراء من عطلتهم السنوية.. في هذا التحليل نتعرف على خفايا الغضبة الملكية من الوزراء والأحزاب السياسية، إزاء ما يجري في الحسيمة وبعض المشاريع المعلقة.

لم يمر أول مجلس وزاري في عهد حكومة العثماني هادئا، فمن استمع إلى الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، وهو يتلو بيان الاجتماع، سيحس أن كلمات البلاغ جاءت قوية وتحمل عبارات الاستياء والغضب من أعضاء الحكومة، لا سيما حينما وضع موضوع الحسيمة على رأس انشغالات الملك.

ومما جاء في البلاغ "في بداية أشغال هذا المجلس، عبر الملك للحكومة وللوزراء المعنيين ببرنامج الحسيمة منارة المتوسط بصفة خاصة، عن استيائه وانزعاجه وقلقه، بخصوص عدم تنفيذ المشاريع التي يتضمنها هذا البرنامج التنموي الكبير، الذي تم توقيعه تحت الرئاسة الفعلية للملك، بتطوان في أكتوبر 2015، في الآجال المحددة لها."

الأمر يشبه حقا توبيخا في حق الوزراء، الذين بات يتعين عليهم تحمل مسؤولياتهم كاملة، فحتى قبل أحداث الحسيمة، وحادثة محسن فكري، وضع برنامج لتنمية المدينة وقع سنة 2015 أمام مرأى من الملك، لكن المشروع لم ير النور. إذ يبدو أن بعض الوزراء يعرضون مشاريع على الملك بحضور أضواء الإعلام الرسمي، دون أن تتم مواكبة هذه المشاريع، بسبب "نقص في الجدية اللازمة"، ولا أدل على ذلك سوى ماء جاء في هذه العبارة من البلاغ " ذكر جلالة الملك، مرة أخرى، بتعليماته السامية، التي سبق أن أعطاها للمسؤولين وللحكومات السابقة، بأن لا يتم تقديم أمام جلالة الملك، إلا المشاريع والاتفاقيات التي تستوفي جميع شروط الإنجاز، سواء في ما يتعلق بتصفية وضعية العقار، أو توفير التمويل، أو القيام بالدراسات، على أن تعطى الانطلاقة الفعلية للأشغال في أجل معقول."

فكيف يمكن إذن ألا نتفهم الغضبة الملك من مشاريع أعلنت ولم تر النور؟ من وزراء يقولون ولا يفعلون، وزراء يبتكرون ألف عذر وعذر من أجل تبرير عرقلة المشاريع وتأخرها عن موعدها المحدد، كما لو أن هذه المشاريع لا تسبقها دراسات قبلية جادة؟

لعل الجميع يستحضر كيف ألغى الملك محمد السادس ذات مارس من 2015 إطلاق مشروع من البرنامج الوطني للباعة المتجولين، كان يشرف عليه الوزير مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة، ومحمد حصاد حينما كان وزيرا للداخلية، حينها قال حصاد "دعا الملك وزير الداخلية ووزير التجارة والصناعة، معبرا لهما عن استيائه من المشروع المخصص للباعة المتجولين، حيث اعتبره لا يرقى لمستوى الانتظارات ولا يتماشى مع تعليماته".

ومن بين أهم المشاريع التي شهدت تأخرا في الإنجاز، هناك الطريق السريع تازة – الحسيمة، الذي كان من المفروض أن يسرع تنمية المدينة الريفية، بعدما وقع الاتفاق سنة 2010، وأعلن موعد أكتوبر 2017 كتاريخ لنهاية الأشغال.. كان هذه هو الإعلان، لكن في الواقع، يجب انتظار سنتين أخريين من أجل رؤية المشروع قائما.

بذلك يكون بلاغ الديوان الملكي يوم أمس، حاملا للهجة صارمة مع المشاريع المتباطئ في إنجازها، حيث نقرأ في البلاغ "أصدر الملك تعليماته، لوزيري الداخلية والمالية، قصد قيام المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية والمفتشية العامة للمالية، بالأبحاث والتحريات اللازمة بشأن عدم تنفيذ المشاريع المبرمجة وتحديد المسؤوليات، ورفع تقرير بهذا الشأن في أقرب الآجال."

أكيد، سيكون للأمر ما بعده، بعد أن عبر الملك لأعضاء الحكومة عن غضبه واستيائه، وأنهم فشلوا بالفعل في "امتحان الدخول"، ويبقى لهم "دورة استدراكية" من أجل تحمل مسؤولياتهم وتطبيق البرامج المعلنة من وزاراتهم. فباستثناء الوزارات المعنية بأزمة الحسيمة (الداخلية والخارجية)، فك الوزارات المكلفة بالتنمية البشرية والاجتماعية كانت غائبة بالحسيمة، ومعنية مباشرة بالغضبة الملكية.

الأحزاب السياسية في أزمة

في إحدى فقرات بلاغ الديوان الملكي يوم أمس نقرأ "أكد جلالته على ضرورة تجنب تسييس المشاريع الاجتماعية والتنموية التي يتم إنجازها، أو استغلالها لأغراض ضيقة".

لقد عرت المظاهرات في الحسيمة واقع الأحزاب المغربية، التي اتضح أنها في أزمة حقيقية، ليس فقط بسبب عجزها عن التدخل بشكل إيجابي لاحتواء المظاهرات، إنما لكون بعضها يشتغل المشاريع التنموية لأغراض سياسوية ضيقة، فبينما تدين الأحزاب من الرباط ما يجري في الحسيمة، نجد أن تنسيقياتها المحلية وفروعها تدعم المظاهرات في تناقض صارخ لمواقف الأحزاب التي دخلت لمرحلة الارتجال العشوائي، وافتقدت الصرامة اللازمة للتعامل مع مظاهرات الحسيمة.

بقي الآن فقط معرفة إذا ما كان الوزراء سينجحون في هذا الاختبار لاستدراك ما فاتهم، وليظهروا فعاليتهم في تجاوز تراكمات الأخطاء، إذا لم يحصل ذلك، فستبقى كل السيناريوهات واردة، من أجل تفادي تكرار مظاهرات الحسيمة.

تحرير من طرف حفيظ
في 26/06/2017 على الساعة 17:41