السعودية تستثمر 500 مليار دولار لعصر ما بعد النفط

DR

في 26/10/2017 على الساعة 09:00

في سياق الخطط والمشاريع التي شرعت المملكة العربية السعودية في إطلاقها خلال الفترة الأخيرة لإنهاء ارتهان اقتصادها بعائدات النفط، أعلن صندوق الاستثمارات العامة، الذراع الاستثمارية للمملكة، أمس الثلاثاء، عن مشروع لبناء منطقة اقتصادية ضخمة باستثمارات تفوق 500 مليار دولار.

ويستمد هذا المشروع الذي أطلق سمي بمشروع "نيوم"، والذي سيقام على مساحة 26 ألفا و500 كلم مربع، ويطل على البحر الأحمر وخليج العقبة من الشمال والغرب بطول 468 كيلومترا، جدواه الاقتصادية من موقعه الاستراتيجي كنقطة التقاء بين المنطقة العربية وآسيا وأفريقيا وأوروبا ، إضافة إلى ما يمثله ساحل البحر الأحمر من شريان اقتصادي مهم كمعبر لحوالي 10 في المائة من حركة التجارة العالمية .

بيد أن فرادة هذا المشروع تتمثل في استحداثه على بيئة جغرافية شبه خالية، ما يؤهله لأن يكون "مشروعا للحالمين وليس للمستثمرين التقليديين"، بحيث تطمح السلطات السعودية إلى أن تكون المدينة المستحدثة مختلفة عن بقية المناطق التي نشأت وتطورت عبر مئات السنين .

ويأتي إعلان هذا المشروع في الوقت الذي تستضيف فيه الرياض، المنتدى الاقتصادي العالمي "مبادرة مستقبل الاستثمار"، كمنصة تفاعلية تتيح للمشاركين، من قادة الاستثمار في العالم، مناقشة المواضيع والقضايا المتعلقة بالاتجاهات الراهنة والمستقبلية للاستثمار في العالم .

وفي حديثه عن المشروع أمام المشاركين في المنتدى، قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، رئيس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، إن كل عناصر نجاح المشروع من الفرص والمقومات وأرض شبه خالية متوافرة، مبرزا القدرة الاستثمارية "الضخمة" للسعودية والموقع الجغرافي للمشروع بين ثلاث قارات، إضافة إلى التضاريس الطبيعية المتنوعة في المنطقة .

وقال الأمير محمد بن سلمان إن ثمة "فرصا كثيرة نعمل عليها، ونحاول ألا نعمل إلا مع الحالمين، فهذا المشروع ليس مكانا لأي مستثمر أو شركة تقليدية، إنه موقع ومكان للحالمين لخلق شيء جديد في هذا العالم"، مؤكدا العمل مع العديد من الشركات والمستثمرين ورواد الأعمال لتبني هذه الأفكار من أجل "خلق شيء جديد ومبتكر ".

وتراهن السعودية من خلال هذا الاستثمار الضخم على جذب الاستثمارات والشراكات الحكومية، في ضوء توقعات من أن تضخ الحكومة السعودية وصندوق الاستثمارات العامة ومستثمرون محليون وعالميون أكثر من نصف تريليون دولار في المنطقة خلال السنوات المقبلة .

وتؤكد المعطيات الأولية أن مشروع "نيوم" سيسهم في توفير "فرص إضافية أمام المستثمرين السعوديين في القطاعات التي لم تكن متاحة أمامهم في المملكة، وذلك ضمن بيئة استثمارية بقوانين صديقة للأعمال، ومنظومة مصممة خصيصا لتحقيق النمو، ما سيسهم في معالجة جزء من مشكلة تسرب الاستثمارات إلى الخارج ".

وتتوقع ذات المعطيات أن يسهم العرض الترفيهي والسياحي للمدينة في استقطاب إنفاق المستهلكين السعوديين في الخارج (حجم الإنفاق السياحي للسعوديين في الخارج يقدر ب 15 مليار دولار)، والاقبال على العرض العالمي لمشروع "نيوم"، ما يثني شريحة عريضة من السعوديين من السفر إلى خارج البلاد والإنفاق في بلدان أجنبية .

وقدرت مساهمة المشروع في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بأزيد من 100 مليار دولار بحلول عام 2030، من خلال تطويره لقطاعات اقتصادية تعالج مسألة التسرب الاقتصادي، ومزاوجة عدد من القطاعات التقليدية والمستقبلية، مع التركيز بصورة رئيسة على القطاعات المستقبلية بهدف زيادة الصادرات إلى المنطقة والعالم .

ومن شأن المشروع أيضا أن يعيد توجيه "التسرب" في الاقتصاد السعودي مجددا إلى البلاد، بحيث يتوقع أن تعيد القطاعات التي ستنشأ في المنطقة نحو 70 مليار دولار من إيرادات السلع المستوردة حاليا من الخارج مع إمكانية إنتاجها في مشروع "نيوم"، ومنها السيارات، والآلات، ومعدات الاتصال وغيرها .

ويأتي الإعلان عن هذه المنطقة الاستثمارية في وقت يواجه فيه اقتصاد المملكة تدني أسعار النفط في السوق العالمية منذ العام 2014، وما أعقب ذلك من إطلاق المملكة لخطة إصلاح اقتصادي شامل تمثل في رؤية 2030، ومخططها التنفيذي "برنامج التحول الوطني"، بهدف تنويع مصادر اقتصادها .

فمنذ إعلان الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي في أبريل 2016، توالت سلسلة المبادرات والمشاريع الرامية إلى ترجمة فلسفة وأهداف هذه الرؤية التي تنبسط كلها في إطار واحد، وهو إنهاء حالة الإدمان النفطي الذي عطل تنمية القطاعات الحيوية للدولة .

ومن أبرز تلك المشاريع الاستثمارية، التي يتولى صندوق الاستثمارات العامة الإشراف عليها، بناء مدينة ترفيهية ضخمة (القدية) تمتد على مساحة 334 كلم مربع قرب العاصمة الرياض، ستكون "الأولى من نوعها في العالم"، ويتوقع بدء أشغال إنجازها مطلع العام المقبل وإطلاق مرحلتها الأولى عام 2020 .

وأكد الأمير محمد بن سلمان أن هذا المشروع "الرائد والأكثر طموحا في المملكة (...) سيسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، ودفع مسيرة الاقتصاد السعودي، وإيجاد المزيد من الفرص الوظيفية للشباب ".

وقال إن مشروع "القدية" يمثل رمزا حضاريا بارزا ومركزا مهما لتلبية رغبات واحتياجات جيل المستقبل الترفيهية والثقافية والاجتماعية في المملكة، ويأتي ضمن الخطط الهادفة إلى دعم رؤية المملكة 2030 بابتكار استثمارات نوعية ومتميزة داخل المملكة ".

وفي مطلع غشت الماضي، أعلنت السعودية عن مشروع سياحي عالمي يمتد على نحو 50 جزيرة تقع قبالة سواحل المملكة على البحر الأحمر، "سيقام على إحدى أكثر المواقع الطبيعية جمالا وتنوعا في العالم"، ويشمل منتجعات سياحية "استثنائية" سيتم تشييدها على أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي (أملج) و(الوجه ).

وبحسب بيان للصندوق، فإن "المشروع تحكمه معايير جديدة تطمح للارتقاء بالسياحة العالمية عبر فتح بوابة البحر الأحمر أمام العالم من أجل التعرف على كنوزه وخوض مغامرات جديدة تجذب السياح محليا واقليميا وعالميا"، إضافة إلى ما سيتيحه للزوار من فرصة التعرف على الكنوز الخفية في هذه المنطقة من البحر الأحمر .

وتمضي السعودية في تعزيز بيئة الاستثمار المحلي، وتحفيز الطلب الداخلي، وتشجيع الإنفاق الأسري على الترفيه، وبناء مئات المراكز الترفيهية في المملكة بحلول العام 2020، فيما تنفتح على العالم كوجهة للاستثمار والسياحة بفضل التشريعات والأنظمة التي أقرتها "رؤية 2030"، من أجل إرساء أسس اقتصاد عصري ومستدام . 

تحرير من طرف جواد
في 26/10/2017 على الساعة 09:00