المخرج السينمائي مصطفى فرماتي لـLe360: فيلم "رماد" عبارة عن رحلة في أعماق الذات والكينونة

المخرج المغربيّ مصطفى فرماتي

المخرج المغربيّ مصطفى فرماتي . DR

في 11/05/2022 على الساعة 08:00

يشارك المخرج المغربيّ مصطفى فرماتي بفيلمه القصير "رماد"، ضمن المسابقة الرسمية لـ "مهرجان مالمو للسينما العربيّة" في السويد.

ويُعدّ هذا الفيلم ثمرة اشتغالٍ مُكثّف على الصورة وجماليّاتها، إذْ أنّ كلّ عنصرٍ فنّي داخل الكادر، عبارة عن لوحةٍ جماليّة تؤثث طوبوغرافية الصورة، وتجعلها تحمل دلالاتٍ فكريّة وأنطولوجية، تتعلّق بمصير الكائن في رحلة البحث عن جسده.

وبمناسبة هذا العرض، التقىle360 بالمخرج مصطفى فرماتي، وأجرى معه هذا الحوار.

1. ما الذي يُمكن أنْ تقوله لقُراء Le360 عن اختيار الفيلم القصير الأخير لتمثيل المغرب (إلى جانب 3 أخرى) في مهرجان "مالمو للسينما العربيّة" بالسويد؟

اختيار فيلمي "رماد" ضمن المسابقة الرسمية لـ"مهرجان مالمو للسينما العربيّة"، يُشكّل قفزة نوعية في مساري الإخراجي، حيث إنّ المهرجان يعد من أكبر المهرجانات السينمائية العربيّة خارج المنطقة العربيّة.

هو مهرجان كبير وله قيمة رمزية، بحيث يحضر له العديد من المخرجين والممثلين والمنتجين والموزعين. لذلك فإنّ عملية التعرف على مثل هذه الأسماء، لا يمكن لها إلاّ أنْ تثري وتغني شبكة علاقاتي في العمل، كما يُتيح لي التعرّف عن قرب على مدارس إخراجية مختلفة من العالم العربي.

2. يمتلك "رماد" كثيراً من خصوصيات الفيلم الروائي الطويل، لا سيما على مُستوى جماليّات الحكاية وتدرّجها داخل وحدة الصُوَر السينمائية. أوّلاً، كيف جاءت فكرة الفيلم؟

هذه ملاحظة ذكية، بالفعل، ونفس الأمر قيل لي في مهرجان مالمو. لأنّ فيلم "رماد" يحتوي على مقومات كبيرة من الفيلم الطويل. وأعتقد أنّ هذا الأمر حتمي، لأني أشتغل على الفيلم القصير بنوع من التركيز لكي أكون مخرج أفلام روائية طويلة.

فمرحلة الفيلم القصير، هي مرحلة بحث عن أسلوب ورؤية سينمائية تخصّني، وإذا زهرت معالم الفيلم الطويل في "رماد" فهذا شيء يفرحني كثيراً، لأنّه دليل على بدء اكتمال ووضوح الرؤية السينمائية وتشكّل الأسلوب الخاصّ بي في الإخراج السينمائي.

وفكرة "رماد" جاءت من مواقع التصوير، لأنّ الأماكن توحي إليّ بقصص، فالذي وقع أنّه كنت ذات يوم في نزهةٍ بمنطقة تافراوت ومررت بجانب دوار مخرّب بكامله عند سفج الجبل. وطلّت صورة ذلك المكان تسكن عقلي وجسدي لفترة طويلةٍ. وشيئاً فشيئاً بدأ تفكيري ينسج قصّة حول ذلك المكان، إذْ من المستحيل أنْ أكتب قصة تحتوي على مشاهد فيها دوار مخرب، دون أنْ يكون لديّ علم مسبق بوجود ذلك الدوار في مكانٍ ما. لأنّ مسألة إعداد الديكور تبدو مستحيلة ومُكلّفة كثيراً، حتّى أنجز ديكور خاصّ بهذا المكان. لذلك فإنّ وجود ذلك المكان الحقيقي منحني إمكانية تأليف نصّ سينمائي تدور أحداثه حول ذلك الدوار.

3. كيف اقتنعت واهتديت جمالياً إلى تحويل صُوَر النصّ إلى فيلمٍ قصير وليس عملاً سينمائياً طويلاً؟

الشيء الذي دفعني هو أنّني ما زلت في مرحلة الاشتغال على أفلام قصيرةٍ من أجل التمكّن من آليات الاشتغال على الإخراج وتشكيل رؤية سينمائية واضحة. ثمّ الإمكانيات المادية لإنجاز فيلم طويل غير متوفّر حالياً بالنسبة لي. لأنّ السينما فنّ مُكلّف، لا يُمكنني إنجازه بشكلٍ مستقلّ. لذلك فإنّ الاشتغال على الأفلام القصيرة حالياً، يُعدّ الأولى في تجربتي السينمائية.

4. ماذا عن مراحل التصوير ويوميّات المونتاج؟

مرّ التصوير في ظروف قاسية جداً على مستوى المناخ، لأنّه كان في نهاية غشت الفارط وتصادف مع موجة من الحرارة المفرطة، ناهيك على أنّ تلك المناطق بنواحي مدينة تافراوت المغربيّة، تكون حارّة جداً في الصيف. فقُمنا بتصوير الفيلم في درجة لا تقلّ هن 45 درجة. واستمرّ التصوير لمدة 4 أيام، اشتغلنا فيها منذ الصباح الباكر حتّى وقت متأخّر من الليل. لذلك فأنا أتوجّه بالشكر الجزيل للطاقم الفنّي والتقني والإنتاجي الذين تحمّلوا معي مشقّة التصوير، خصوصاً أنّها كانت في مناطق قاحلة ونجد صعوبة حتّى في الحصول على ماء بارد وعلى أكل ومبيتٍ.

لكنّ النتيجة حين تكون إيجابية، فهي تنسيك كلّ التعب. أمّا بخصوص المونتاج فقد عملت عليه شخصياً، فحين تكون المادّة الفيلمية بحوزتك وآمنة في جهاز حاسوبك تشتغل عليها في الوقت الذي يرضيك. وهذا الأمر استمتعت به ولم يكُن عندي أيّ مشكل في مرحلة تركيب العمل.

5. حصل "رماد" على عدّة جوائز عربيّة، ما جعله يكتسب شهرة داخل وجدان نقادٍ وتظاهراتٍ ولجانٍ ومهرجانات. إلى أيّ حدّ في نظر تستطيع الجائزة، أنْ تكون عاملاً مُشجّعاً وتلعب دور الوسيط الإشهاري بين الفيلم والمُشاهد؟

لا أحد يستطيع أنْ ينكر أنّ الاعتراف، هو أكبر حافز يمكن أن يتلقّاه مبدع يشتغل على شيء ما، مهما اختلفت طبيعة وجوهر هذا الشيء. سواء في الفنّ أو دراسة، لأنّ الاعتراف بالمجهود والمكافأة عليه ضرورة إنسانية، لأنّه لا يمكنني أنْ أكون شخصاً كاملاً، بدون أنْ يتم الاعتراف بما أنجزه، كما لا يُمكن أنْ يستمرّ الإنسان في العمل في حالة ما إذا غابت ثقافة الاعتراف. من ثمّ، فإنّ الجائزة هي عنصر محفّز للعمل والابداع وللمزيد من الاجتهاد.

تخيّل معي شخصاً يكتب ويبدع ولا يتلقّى أيّ اعتراف أو تنويهٍ من الناس للأِشخاص المحيطين به، فعاجلاً أم آجلاً سيتوقّف ويدبّ اليأس في جسده. لذلك، فإنّ الاعتراف بالعمل هو ثقافة، ليس بالضرورة أنْ تكون مادّية، لأنّ أيّ رأيّ نقدي أو جملة إعجاب، فهي في حدّ ذاتها تحفيز واعتراف بجودة العمل.

6. يتميّز الفيلم بتعدّد صُوَره وقُدرتها على التأثير في نفسية المُشاهد، لدرجة تجعلها نقول إنّ "رماد" فيلم صورة بامتياز. لماذا كل هذا الاعتناء جمالياً بالصورة لصالح انسحاب نصّ السيناريو رغم قوّته؟

لقد لامست حقيقة وتراً حساساً ومُهمّاً يتعلّق بجماليّات الصورة، لأنّ السينما فنّ بصريّ بامتياز. فمن الممكن أنْ تحكي قصّة حقيقية ومؤثّرة ومُهمة، ولكنْ إذا قُمت بحكيها بصُوَرٍ جميلةٍ، لا أعتقد أنّها سيكون لديها ذلك التأثير أو الوقع على المُشاهد. بل حتّى أنّها لن تأخذ اهتماماً بالنسبة للمُشاهد للجلوس مدّة من الوقت لمُشاهدة الفيلم.

لذلك فإنّ الصورة الجميلة شيء مقدّس بالنسبة لي في الفيلم، لوكنْ هذا لا يجب أنْ يكون على حساب السيناريو والقصّة التي نحكيها. بحيث أنّه من الممكن أنْ تعطيني أجمل الصور والكادرات، ولكنْ إذا لم يكُن وسط تلك الصُوَر قصّة مؤثّرة تشدّ العقل والحواس فتظلّ مجرّد صور لا وقع لها على المُشاهد.

هذا إلى جانب كوني فنان تشكيلي، فالسينما والتشكل يشتركان في تأليف الإطار، لأنّ الكادر السينمائي أتعامل معه على أساس أنّه لوحة تشكيليّة، فكلّ عنصر من العناصر مركّبة بعناية من أجل الوصول إلى هدف جمالي معيّن.

7. يُعتبر عنصر الفضاء قيمة كبيرة بالنسبة للصورة، فهو ليس مجرّد مكانٍ تدور فيه أحداث الفيلم، ولكنّه عنصرٌ جماليّ مميّز يزيد الصورة عمقاً وتوغّلاً في خصوصية الجنوب المغربيّ. ما الدلالات التي يحتلها الجسد داخل شعريّة الفضاء بالنسبة لك كمُخرجٍ سينمائي؟

لمست فيك من خلال هذا السؤال حسّاً فنياً مُرهفاً وتذوّقاً كبيراً للجمال. كأنّك اكتشفت الأوتار الخفيّة للفيلم وعزفت عليها لحناً جميلاً من خلال هذا السؤال.

بخصوص علاقة الجسد بالفضاء، فالفيلم يحكي قصّة رجل أعور ينطلق في رحلة بحث عن ولي صالح يعتقد أنّه الوحيد القادر على إعادة نعمة البصر إلى عينه الضريرة. والرحلة تقع داخل عالم قاحل ومقفر. لكنْ إذا كانت الرحلة ظاهرياً تبدو رحلة في الجغرافيا، فهي في حقيقة الأمر، رحلة في الذات وأعماق الكينونة. وأعتقد أنّ ذلك مردّه إلى عشقي للصوفية التي تأثّرت بها وأحبّها كفلسفةٍ وطريقة في التعامل مع محيطنا، لأنّها ببساطة تدعونا إلى البحث عن الحقائق وإدراك كنه الأشياء وجمالها بطريقةٍ مباشرة.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 11/05/2022 على الساعة 08:00